فقال لهم : إنه قد اقترب أجلي وضعف عملي ، ولا احبّ أن ابتدئ أهل هذا المصر بقتل خيارهم! وسفك دمائهم! فيسعدوا بذلك وأشقى! ويعزّ في الدنيا معاوية ويذل يوم القيامة المغيرة! وسيذكروني لو قد جرّبوا العمّال بعدي ، إنه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيفعل شبيها بما ترونه يصنع بي فيأخذه عند أول وهلة فيقتله شرّ قتلة (١)!
وكتب معاوية إلى المغيرة أن يمدّه بمال ، فجهّز له المغيرة قافلة ، فلما فصلت القافلة جاء حجر بجمع من أصحابه فحبس القافلة وقال حجر : والله لا تذهب حتّى يعطى كل ذي حقّ حقّه (المتأخر) وقال شباب ثقيف للمغيرة : ائذن لنا نقتله! فقال : ما اقتل حجرا أبدا! فبلغ ذلك معاوية فأراد عزله (٢).
وبلغ ذلك المغيرة فأراد أن يدرك ذلك فيستدركه ، فقدم عليه وشكا إليه ضعفه واستعفاه. وكان مع المغيرة كاتبه ابن خنيس فأحسّ أن معاوية يريد أن يولي الكوفة سعيد بن العاص الأموي وانتهى الخبر إلى المغيرة ، فدخل على يزيد بن معاوية ، وهو يومئذ ابن خمس وعشرين سنة فعرّض بالبيعة له بالكوفة بولايته العهد (٣)! ولعلّه لعلمه بتمهيد معاوية له.
المغيرة وولاية العهد ليزيد :
دخل المغيرة على يزيد وقال له : إنه قد ذهب أعيان أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله وكبراء قريش وذوو أسنانهم ، وإنّما بقي أبناؤهم ، وأنت من أفضلهم! وأحسنهم
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٢٥٤ ـ ٢٥٥.
(٢) تاريخ الشام لابن عساكر ٤ : ٨٤ ، وعنه في تعاليق الغارات ٢ : ٨١٥.
(٣) تاريخ الطبري ٥ : ٣٠١ ـ ٣٠٢ عن المدائني ، عن الشعبي. وفي الإمامة والسياسة : ١٦٥ : أنه فاتح معاوية بذلك رأسا.