فلم يلبث ابن أبي بكر شهرا كاملا (إلى منتصف شوال) حتى بعث إلى أولئك المعتزلين الذين كان قيس بن سعد موادعا لهم : إما أن تدخلوا في طاعتنا ، وإما أن تخرجوا من بلادنا!
فبعثوا إليه : دعنا حتّى ننظر إلى ما يصير إليه أمر الناس ولا تعجل حربنا (١).
وكتب ابن أبي بكر إلى معاوية :
وكأن محمد بن أبي بكر رأى أن معاوية إنما ينذر عليا عليهالسلام بالحرب بحجّة اتّهامه له ولأمثاله بقتل عثمان ، وأنّهم اليوم تحت رعاية علي عليهالسلام وحمايته ، فكأنه رأى من المناسب أن يكتب إليه فكتب إليه :
«من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي ابن صخر! سلام على أهل طاعة الله ممّن هو مسلّم لأهل ولاية الله! أما بعد ، فإن الله بجلاله وعظمته وسلطانه وقدرته خلق خلقا بلا عنت ولا ضعف في قوّته ، ولا حاجة به إلى خلقهم ، ولكنّه خلقهم عبيدا ، وجعل منهم شقيا وسعيدا وغويا ورشيدا.
ثم اختارهم على علمه : فاصطفى وانتخب منهم محمدا صلىاللهعليهوآله فاختصّه برسالته ، واختاره لوحيه ، وائتمنه على أمره ، وبعثه رسولا مصدقا لما بين يديه من الكتب ، ودليلا على الشرائع ، فدعا إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة.
فكان أوّل من أجاب وأناب وصدّق ووافق وأسلم وسلّم : أخوه وابن عمّه علي بن أبي طالب. فصدّقه بالغيب المكتوم ، وآثره على كل حميم ، فوقاه كلّ هول ، وواساه بنفسه في كلّ خوف ، فحارب حربه وسالم سلمه ، ولم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الأزل (الحرج) ومقامات الروع ، حتّى برز سابقا لا نظير له في جهاده ولا مقارب له في فعله.
__________________
(١) الغارات ١ : ٢٥٤.