زياد وابن عباس في الشام :
نفتقد ابن عباس بعد عودته من البصرة إلى مكة حتّى نجده في خبر المعتزلي عن المدائني : أنه وفد على معاوية فجمع له معاوية المغيرة بن شعبة وزياد بن سمية فذلك بعد لحوقه بالشام هذا العام (٤٢ ه) وعمرو بن العاص فذلك قبل هلاكه سنة (٤٣ ه) وابنه يزيد ، وأخاه عتبة بن أبي سفيان ، وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم وعبد الرحمن بن أم الحكم وقال لهم : إنه قد طال العهد بعبد الله بن عباس وما كان شجر بيننا وبينه وبين ابن عمّه (علي عليهالسلام) ولقد كان نصبه للتحكيم فدفع عنه. فحرّكوه على الكلام لنبلغ حقيقة صفته ونقف على كنه معرفته ، ونعرف شبا حدّه ودهاء رأيه ، فربّما وصف المرء بغير ما هو فيه وأعطي من النعت والاسم ما لا يستحقه.
ثمّ أرسل إلى ابن عباس ، فلما استقرّ به المجلس ابتدأه معاوية فقال : يا ابن عباس ، ما منع عليّا أن يوجّه بك حكما؟ وكان ابن العاص حاضرا فقال ابن عباس : أما والله لو فعل لقرن عمرا بصعبة من الإبل ، ولأذهلت عقله وقدحت في سويداء قلبه ، فلم يبرم أمرا إلّا كنت منه بمرأى ومسمع ، بأصالة رأي كمتاح الأجل أصدع به أديمه وأفلّ به شبا حدّه ، وأزيح به شبه الشاكين.
فالتفت ابن العاص إلى معاوية وقال له : يا أمير المؤمنين! هذا والله نجوم أول الشر! وفي حسمه قطع مادته ، فبادره بالحملة وانتهز منه الفرصة ، واردع بالتنكيل به غيره وشرّد به من خلفه!
فأجابه ابن عباس : يا ابن النابغة! ضلّ والله عقلك وسفه حلمك ونطق الشيطان على لسانك! هلّا تولّيت ذلك يوم صفّين حين دعيت إلى النزال وتكافح الأبطال ، وكثرت الجراح وتقصّفت الرماح ، وبرزت إلى أمير المؤمنين عليهالسلام مصاولا فانكفأ نحوك بالسيف حاملا ، فلما رأيت الكواشر من الموت أعددت حيلة السلامة