فقال ابن عباس : دعه ـ يا معاوية ـ فو الله لأسمنّه بميسم يبقى عليه عاره وشناره إلى يوم القيامة ، تتحدث به الإماء والعبيد ويتغنّى به في المجالس ويتحدث به في المحافل! والتفت إليه وقال له : يا عمرو! اخسأ أيها العبد وأنت مذموم! فمدّ معاوية يده فوضعها على فم ابن عباس وقال له : أقسمت عليك يا ابن عباس إلّا أمسكت! فأمسك ، وافترقوا (١).
وعاد عمرو فهلك :
اضطرّنا مضمون الخبر السابق أن يسبق هلاك ابن العاص بعد استلحاق معاوية لزياد ، وكأنّ ابن العاص عاد إلى مصر فلما تصرّمت ليالي رمضان تصرّمت ليالي عمر عمرو!
قال اليعقوبي : وليلة عيد الفطر سنة (٤٣) توفي عمرو ... ولما حضرته الوفاة قال لابنه : إني قد دخلت في أمور لا أدري ما عذري عند ربّي! ثمّ نظر إلى ماله كثيرا فقال : يا ليته كان بعرا! يا ليتني متّ قبل هذا اليوم بثلاثين سنة (أي قبل خلافة الخلفاء) أصلحت لمعاوية دنياه وأفسدت ديني! وآثرت دنياي وتركت آخرتي! عمّى عليّ رشدي حتّى حضرني أجلي! كأني بمعاوية قد حوى مالي وأساء خلافتي فيكم! فكان كذلك ، فقد أقرّ معاوية عبد الله بن عمرو على مصر ولكنّه استصفى شطر ماله وحواه وقال : هي سنة عمر! ثمّ شاطر سائر عمّاله. وكانت مصر والمغرب طعمة لعمرو شرطها على معاوية شرطا يوم بايعه .. فكان عمرو يفرّق العطاء في جيشه ثمّ يأخذ ما زاد لنفسه ولا يحمل منه إلى معاوية شيئا حتى مات
__________________
(١) الخصال ١ : ٢١١ ـ ٢١٥.