وأمّنهم. ولا تقاتل إلّا من قاتلك ، وسر البردين (فلعلّه كان صيفا) ورفّه في السير وأقم في الليل ولا تسر فيه فإنّ الله جعله سكنا ، أرح فيه بدنك وجندك وظهرك (مركوبك) فإذا كان السحر أو حين ينبطح الفجر فسر.
فخرج حتّى حلّ في الحديثة فإذا هم بكبشين ينتطحان وجاء رجلان عليهما فأخذاهما وانصرافا. فقال شدّاد بن أبي ربيعة لمعقل : إنكم لا تغلبون ولا تغلبون. قال : من أين علمت ذلك؟ أما أبصرت الكبشين التقيا وانتطحا فلم يزالا منتصفين حتّى أخذا (١).
ومن أخبار الأنبار (٢) :
وكان في مدينة الأنبار دهاقين من الفرس يدعون بنو «خوش نوشك» أي الشراب الطيّب ، فاستقبلوه ببراذينهم (بغالهم) فلما واجهوه نزلوا عنها وأخذوا يشتدّون مشيا إلى جانبيه. فسألهم : ما تريدون بهذا الذي تصنعونه؟ وما هذه الدوابّ معكم؟
قالوا : أما هذا الذي صنعنا فهو خلق منّا نعظّم به الأمراء ، وهذه براذين هدية لك ، وقد صنعنا لك وللمسلمين طعاما ، وهيّأنا لدوابكم علفا كثيرا.
فقال لهم : أمّا هذا الذي زعمتم أنه خلق منكم تعظّمون به الأمراء ، فو الله إنّ هذا لا ينفع الأمراء ، وإنّكم لتشقّون به على أنفسكم وأبدانكم فلا تعودوا له. وأما دوابّكم هذه فإن أحببتم أن نأخذها منكم فنحسبها من خراجكم أخذناها منكم. وأما طعامكم الذي صنعتم لنا فإنّا نكره أن نأكل من أموالكم شيئا إلّا بثمن ثمّ سار عنهم وتركهم (٣).
__________________
(١) وقعة صفين : ١٤٨ ، ١٤٩.
(٢) الأنبار بالفارسية : المخزن ، وكانت مخازن الحبوب للساسانيين.
(٣) وقعة صفين : ١٤٤.