كتاب الإمام إلى قثم بمكة :
وكان للإمام عليهالسلام عيون بالشام وعلم بذلك فكتب إلى الإمام بالإعلام ، فكتب الإمام إلى قثم يقول له : من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى قثم ابن العباس ، سلام عليك ، أمّا بعد ، فإنّ عيني بالمغرب كتب إليّ يخبرني : أنّه قد وجّه إلى الموسم ناسا من العرب من العمي القلوب والصمّ الأسماع ، والبكم الأبصار ، الذين يلبسون الحقّ بالباطل ، ويطيعون المخلوقين في معصية الخالق ، ويجلبون الدنيا بالدين (ومع ذلك) يتمنّون على الله جوار الأبرار! وإنّه لا يفوز بالخير إلّا فاعله ، ولا يجزى بالسوء إلّا فاعله!
وقد وجّهت إليكم جمعا من المسلمين ذوي بسالة ونجدة ، مع الحسيب الصليب الورع التقي معقل بن قيس الرياحي ، وقد أمرته باتباعهم وقصّ آثارهم حتّى ينفيهم من أرض الحجاز.
فقم على ما في يديك ممّا إليك ، مقام الصليب الحازم ، المانع سلطانه ، الناصح لإمامه ، ولا يبلغني عنك وهن ولا خور ولا ما منه تعتذر ، ووطّن نفسك على الصبر في البأساء والضراء ، ولا تكوننّ فشلا ولا طائشا ولا رعديدا! والسلام.
إلّا أنّه لم ينتفع بهذا الكتاب ؛ لأنّه سمع بأن قد سبقت خيلهم خيله فلا يصله إلّا بعد الموسم! وإنّما سمع بذلك قبل رحيلهم من ميقات الجحفة إلى مكة ، فقام في أهل مكة فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال لهم :
أمّا بعد ، فقد وجّه إليكم من الشام جند عظيم قد أظلّكم! فإن كنتم على بيعتكم وطاعتكم فانهضوا معي إليهم حتّى أناجزهم! وإن كنتم غير فاعلين فبيّنوا لي ما في أنفسكم ، ولا تغرّوني! فإنّ الغرور حتف يضلّ معه الرأي ويصرع معه الرائي والأريب. ثمّ سكت. وسكت القوم! فذهب لينزل وهو يقول لهم : قد بيّنتم ما في أنفسكم!