فقام إليه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدري (صاحب مفتاح الكعبة) وقال له : أيّها الأمير ، رحمك الله ، لا يقبح رأيك فينا ولا يسوء ظنّك بنا ، فنحن على بيعتنا وطاعتنا ، وأنت أميرنا وابن عمّ خليفتنا ، فإن تدعنا نجبك وإن تأمرنا نطعك فيما أطقنا وقدرنا عليه. فسكت قثم ولم يتكلّم ، ولكنّه تقدم إلى مواليه أن يحضروا له متاعه ودوابّه ليتنحّى عن مكة! وعلم الناس بذلك.
وقدم أبو سعيد الخدري مكة وكان مصافيا في صداقة قثم فسأل عنه فأخبر خبره فجاءه وسأله فقال له : قد حدث الأمر الذي بلغك ، وليس معي جند أمتنع به ، فرأيت أن أعتزل عن مكة ، فإن يأتني جند أقاتل به وإلّا كنت قد تنحّيت بدمي!
فأخبره الخدري : أنّه لم يخرج من المدينة حتّى قدم عليهم حجّاج العراق وتجّارهم يخبرون : أنّ الناس بالكوفة قد ندبوا إلى مكة مع معقل بن قيس الرياحي.
فقال قثم : هيهات هيهات يا أبا سعيد ، إلى ذلك ما يعيش أولادنا!
فقال أبو سعيد : فما عذرك عند ابن عمّك وما عذرك عند العرب أن انهزمت قبل أن تضرب وتطعن!
فأراه قثم كتاب الإمام ولكنّه قال : سمعت قد سبقت خيلهم خيله فلا يأتي جيشه حتّى ينقضي أمر الموسم كلّه.
فقال أبو سعيد : إنّك إن أجهدت نفسك في مناصحة إمامك فرأى ذلك لك وعرف ذلك الناس فخرجت من اللائمة وقضيت الذي عليك من الحقّ ، والقوم يقدمون وأنت في الحرم والحرم حرم الله الذي جعله للناس آمنا ، وقد كنّا في الجاهلية نعظّم الحرم فاليوم أحقّ أن يفعل ذلك. فقبل قثم وأقام (١).
__________________
(١) الغارات ٢ : ٥٠٩ و ٥٠٧ ـ ٥١٠ عن عباس بن سهل بن سعد الأنصاري.