وكأنّما هذه المواجهة الفارقة بين ابن عبّاس المفسّر وبين الوليد الفاسق نبّه بعض قرّاء الشام ، فلحق ناس منهم بالإمام عليهالسلام ، يقدمهم شمر بن أبرهة الحميري ، ففتّ ذلك في أهل الشام ، فقال ابن العاص لمعاوية :
يا معاوية ، إنك تريد أن تقاتل بأهل الشام رجلا له من محمد صلىاللهعليهوآله قرابة قريبة ورحم ماسّة. وقدم في الإسلام لا يعتدّ أحد بمثله ، ونجدة في الحرب لم تكن لأحد من أصحاب محمد. وإنه قد سار إليك بأصحاب محمد المعدودين ، وفرسانهم وقرّائهم وأشرافهم وقدمائهم في الإسلام ، ولهم في النفوس مهابة. فبادر بأهل الشام ... واتهم من باب الطمع ... ومهما نسيت فلا تنس أنك على باطل! واقترح له أن يخطب الناس. فأمر معاوية فأحضر له المنبر وخرج فخطبهم (١).
خطاب الإمام عليهالسلام :
فلما بلغ ذلك الإمام عليهالسلام أمر فنودي في الناس بالاجتماع فاجتمعوا ، وجمع صحابة النبيّ صلىاللهعليهوآله حوله ، وكأنّه أحبّ أن يعلم أنّ أصحاب رسول الله متوافرون عنده ، ثمّ قام للكلام متوكئا على قوسه ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال لهم :
أيها الناس ، اسمعوا مقالتي وعوا كلامي! إنّ الخيلاء من التجبّر ، وإنّ النخوة من التكبّر ، وإن الشيطان عدو حاضر ، يعدكم الباطل. ألا إن المسلم أخو المسلم ، فلا تنابذوا ولا تخاذلوا. وإن شرائع الدين واحدة وسبله قاصدة ، من أخذ بها لحق ومن تركها مرق ، ومن فارقها محق. ليس المسلم بالخائن إذا اؤتمن ، ولا بالمخلف إذا وعد ، ولا بالكذّاب إذا نطق.
__________________
(١) وقعة صفين : ٢٢٢ ، ٢٢٣.