وهم سكوت مذعنون ، لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر ، فوجدت القتال أهون عليّ من معالجة الأغلال في جهنّم (١)!
في انتظار نهار الهرير والمصاحف :
وقام الإمام عليهالسلام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : «أيها الناس ، قد بلغ بكم الأمر وبعدوّكم ما قد رأيتم ، ولم يبق منهم إلّا آخر نفس ، وإن الأمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأوّلها ، وقد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغنا منهم ما بلغنا ، وأنا غاد عليهم بالغداة أحاكمهم إلى الله عزوجل» (٢).
فلما أظهر عليهالسلام أنه سيصبّح معاوية بالتنجيز بلغ ذلك أهل الشام ففزعوا لذلك وانكسروا ، وبلغ ذلك معاوية ففزع لذلك وانكسر (٣) ودعا عمرو بن العاص وقال له :
إنما هي الليلة حتّى يغدو عليّ علينا بالفيصل ، فما ترى؟ فقال عمرو :
إن رجالك لا يقومون لرجاله ، ولست مثله ، هو يقاتلك على أمر وأنت تقاتله على غيره ، أنت تريد البقاء وهو يريد الفناء. وأهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم ، وأهل الشام لا يخافون عليّا إن ظفر بهم ... ولكن ألق إليهم أمرا إن قبلوه اختلفوا وإن ردّوه اختلفوا أيضا : أدعهم إلى كتاب الله حكما فيما بينك وبينهم ، فإنّك بالغ به حاجتك في القوم ، فإنّي لم أزل أؤخّر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه. فقال معاوية : صدقت (٤)! اربطوا المصاحف على أطراف القنا.
__________________
(١) وقعة صفين : ٤٧٤.
(٢) وقعة صفين : ٤٧٦.
(٣) وقعة صفين : ٤٦٧.
(٤) وقعة صفين : ٤٧٦ ـ ٤٧٧.