فرفع أهل الشام المصاحف على رءوس الرماح وقلدوها الخيل ، ورفع مصحف دمشق الأعظم (مبعوث عثمان) تحمله عشرة رجال على رءوس الرماح (١) قد شدّوا ثلاثة أرماح مجتمعة وقد ربطوا عليها مصحف المسجد الأعظم ، يمسكه عشرة رهط.
وروى المنقري ، عن الجعفي ، عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام : أنهم استقبلوا عليا عليهالسلام بمائة مصحف ورفعوا في كلّ جانب من جانبي جيشه مائتي مصحف فكان جميعها خمسمائة مصحف. ثمّ قام الطفيل بن أدهم حيال علي عليهالسلام ، وأبو شريح الجذامي حيال الميمنة ، وقام ورقاء بن المعمّر حيال الميسرة ، ثمّ نادوا : يا معشر العرب! الله الله في نسائكم وبناتكم ، فمن للروم (إذا فنينا) ومن للأتراك وأهل فارس غدا إذا فنيتم؟ الله الله في دينكم. هذا كتاب الله بيننا وبينكم (٢)! فلما لم يروهم أجابوا لذلك.
ذكروا : أن أهل الشام قالوا لمعاوية : إنك قد غرّرت بدعائك القوم وأطمعتهم فيك ، وما نرى أهل العراق أجابوا إلى ما دعوناهم إليه ، فأعدها جذعة (أي : أعد الحرب مرة أخرى).
فدعا معاوية عبد الله بن عمرو بن العاص وأمره أن يكلّم أهل العراق ، فأقبل حتّى إذا كان بين الصفّين نادى : يا أهل العراق! أنا عبد الله بن عمرو بن العاص ، إنما قد كانت بيننا وبينكم أمور للدين أو الدنيا! فإن تكن للدين فقد والله أعذرنا وأعذرتم ، وإن تكن للدنيا فقد والله أسرفنا وأسرفتم ، وقد دعوناكم إلى أمر لو دعوتمونا إليه لأجبناكم! فإن يجمعنا وإياكم الرضا فذلك من الله! فاغتنموا هذه الفرجة لعله أن يعيش فيها المحترف وينسى فيها القتيل ، وإن بقاء المهلك بعد الهالك قليل (٣).
__________________
(١) وقعة صفين : ٤٨١.
(٢) وقعة صفين : ٤٧٨ ـ ٤٧٩.
(٣) وقعة صفين : ٤٨٢ ـ ٤٨٣.