قبل لقائه ، والانكفاء عنه بعد إجابة دعائه ، فمنحته رجاء النجاة عورتك! وكشفت له خوف بأسه سوأتك! ثمّ أشرت على معاوية بمبارزته ، رجاء أن تكفى مئونته وتعدم صورته ، فعلم غلّ صدرك وما انحنت عليه من النفاق أضلعك.
فانبرى مروان مدافعا عن ابن العاص فقال لابن عباس : يا ابن عباس ، إنّك لتصرف أنيابك وتورى نارك ، كأنك ترجو الغلبة وتؤمل العافية! ولو لا حلم أمير المؤمنين عنكم لتناولكم بأقصر أنامله فأوردكم منهلا بعيدا صدره ، ولعمري لئن سطا بكم ليأخذنّ بعض حقّه منكم! ولئن عفا عن جرائركم فقديما ما نسب إلى ذلك.
فالتفت إليه ابن عباس وقال له : وإنّك لتقول ذلك يا عدوّ الله وطريد رسول الله! والمباح دمه ، والداخل بين عثمان ورعيّته بما حملهم على قطع أوداجه وركوب أثباجه! أما والله لو طلب معاوية (كذا) ثاره لأخذك به ، ولو نظر في أمر عثمان لوجدك أوّله وآخره! (إلى قوله له) : فاربع على ضلعك ، ولا تتعرّض لما ليس لك ، فإنك كالمغروز في صفد لا يهبط برجل ولا يرقى بيد!
فقال زياد : «يا ابن عباس ، إنّي لا أعلم ما منع حسنا وحسينا من الوفود معك على أمير المؤمنين! إلّا ما سوّلت لهما أنفسهما وغرّهما به من هو عند البأساء سلّمهما (ولعلّه يعنيه) وايم الله لو ولّيتهما لأدأبا في الرحلة إلى أمير المؤمنين أنفسهما ، ولقل لبثهما بمكانهما» يعرّض بهذا لمعاوية أن يولّيه المدينة. ويعلم منه أنهما عليهماالسلام ما وفدا قبل هذا إلى الشام.
فقال ابن عباس : إذن والله يقصر دونهما باعك ، ويضيق بهما ذراعك ، ولو رمت ذلك لوجدت من دونهما فئة صدقا صبرا على البلاء ولا يخافون عند اللقاء ، فلعركوك بكلا كلهم ووطئوك بمناسمهم ، وشفار سيوفهم ووخز أسنتهم ، حتّى تشهد بسوء ما أتيت وتبيّن ضياع الحزم فيما جنيت! فحذار حذار من سوء النيّة فتكافأ بردّ الأمنية ، وتكون سببا لفساد ذين الحيّين (هاشم وأمية) بعد صلاحهما ، وساعيا في اختلافهما بعد ائتلافهما! (ولم يكن بعد مستلحقا فلم يعيّره به).