فقال ابن أم الحكم : لله درّ ابن ملجم! فقد أمن الوجل حتّى بلغ الأمل! وأدرك الثار ونفى العار! وفاز بالمنزلة العليا ورقى الدرجة القصوى! هذا ومعاوية يرى ويسمع وهو ساكت راض!
فقال ابن عباس : أما والله لقد كرع كأس حتفه بيده وعجّل الله إلى النار بروحه ، ولو أبدى لأمير المؤمنين صفحته لخالطه ذلك الفحل القحم والسيف الخذم ، ولألحقه بالوليد وعتبة وحنظلة (أخي معاوية) وكلّهم كانوا أشد منه شكيمة وأمضى عزيمة ، ففرى بالسيف هامهم ورمّلهم بدمائهم ، وقرى الذئاب! أشلاءهم وفرّق بينهم وبين أحبّائهم! ولا وصمة إن قتل (عليّ) ولا غرو إن ختل.
فقال المغيرة بن شعبة : أما والله لقد أشرت على عليّ بالنصيحة (بإبقاء معاوية) فآثر رأيه ومضى على غلوائه! فكانت العاقبة عليه لا له ، وإنّي لأحسب أن خلفه يقتدون بمنهجه.
فقال ابن عباس : كان أمير المؤمنين عليهالسلام والله أعلم بوجوه الرأي ومعاقد الحزم وتصريف الأمور من أن يقبل مشورتك فيما نهى الله عنه وعنّف عليه فقال سبحانه : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ...)(١) ولقد وقفك على ذكر مبين وآية متلوّة قوله تعالى : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً)(٢) وهل كان يسوغ له أن يحكّم في دماء المسلمين وفيء المؤمنين من ليس بمأمون عنده ولا موثوق به في نفسه؟! هيهات هيهات! هو أعلم بفرض الله وسنة رسوله أن يبطن خلاف ما يظهر إلّا «للتقيّة» ولات حين «تقية» مع وضوح الحقّ وكثرة الأنصار وثبوت الجنان؟! فهو يمضي كالسيف المصلت في أمر الله مؤثرا لطاعة ربّه والتقوى على آراء أهل الدنيا (٣).
__________________
(١) المجادلة : ٢٢.
(٢) الكهف : ٥١.
(٣) شرح النهج للمعتزلي ٦ : ٢٩٨ ـ ٣٠٢ ، وللخبر تتمة بين ابن عباس ويزيد وأبيه معاوية.