فخرج سهم حمير على ربيعة ، فكرهه ذو الكلاع وقبل به ، ثمّ أقبل ومعه ابن عمر وحمل على ربيعة بخيله ورجاله حملة شديدة ، فتضعضعت رايات ربيعة ثمّ ثبتوا إلّا قليلا. وانصرف الشاميون ثمّ كرّوا ثانية فشدّوا على ربيعة حملة شديدة فثبتوا إلّا قليلا (١).
وكان الإمام عليهالسلام قد أعطى راية الميسرة السوداء أو الحمراء إلى حضين بن المنذر الرقاشي الذهلي وكان شابا وقال له : سر على اسم الله يا حضين ، واعلم أنه لا يخفق على رأسك راية مثلها أبدا ، إنها راية رسول الله صلىاللهعليهوآله (٢).
فتقدم إليه أبو عرفاء جبلة بن عطية الذهلي وهو شيخ منهم فقال له : أعرني رايتك ساعة ، فما أسرع ما ترجع إليك! فعلم أنه يشير إلى الشهادة فأعطاه إيّاها فأخذها وخاطبهم فقال لهم :
يا أهل هذه الراية ، إنّ عمل الجنة كره كلّه وثقيل ، وإنّ عمل النار حبّ كلّه وخفيف ، وإنّ الجنة لا يدخلها إلّا الصابرون الذين صبروا أنفسهم على أمر الله وفرائضه ، وليس شيء مما افترض الله على العباد أشدّ من الجهاد ... ويحكم (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ)(٣) أما تشتاقون إلى الجنّة؟ فإذا رأيتموني قد شددت فشدّوا. ثمّ شدّ على القوم فشدّوا معه فقاتل وقاتلوا معه قتالا شديدا حتّى قتل ، فشدّت ربيعة بعده شدة عظيمة على صفوف أهل الشام فنقضوها (٤).
واشتدّ قتال ربيعة وحمير حتّى كثرت القتلى فيما بينهم. ثمّ خرج نحو من خمس مائة فارس أو أكثر من أصحاب علي عليهالسلام وهم غائصون في الحديد وعلى رءوسهم
__________________
(١) وقعة صفين : ٢٩١.
(٢) وقعة صفين : ٣٠٠ ، وانظر وقارن : أنساب الأشراف ٢ : ٢٦٩ ، الحديث ٣٤٨ والهامش.
(٣) النور : ٢٢.
(٤) وقعة صفين : ٣٠٤ ـ ٣٠٥.