وخطب سعيد بن قيس أصحابه ليلا فقال : «الحمد لله الذي هدانا لدينه وأروثنا كتابه ، وامتنّ علينا بنبيّه صلىاللهعليهوآله ، فجعله رحمة للعالمين وسيّدا للمسلمين ، وقائدا للمؤمنين وخاتم النبيين ، وحجّة الله العظيم على الماضين والغابرين ، فصلوات الله عليه ورحمته وبركاته.
ثمّ قد كان مما قضى الله وقدّره ، والحمد لله على ما أحببنا وكرهنا : أن ضمّنا وعدوّنا بقناصرين (من صفين) فلا يجمل بنا اليوم الحياص (أن نحوص) وليس هذا بأوان انصراف ولات حين مناص. وقد اختصّنا الله منه نعمة لا نستطيع أداء شكرها ولا أن نقدر قدرها : أنّ أصحاب محمد المصطفين الأخيار معنا وفي حيّزنا. فو الله الذي هو بالعباد بصير : أن لو كان قائدنا حبشيا مجدّعا إلّا أنّ معنا من البدريين سبعين رجلا لكان ينبغي لنا أن تحسن بصائرنا وتطيب أنفسنا ، فكيف وإنما رئيسنا ابن عمّ نبيّنا. بدريّ صدق ، صلّى صغيرا ، وجاهد مع نبيّكم كبيرا.
ومعاوية طليق من وثاق الإسار وابن طليق! ألا إنه أغوى جفاة فأوردهم النار وأورثهم العار ، والله محلّ بهم الذلّ والصّغار.
ألا إنكم ستلقون عدوّكم غدا ، فعليكم بتقوى الله والجدّ والحزم والصدق والصبر فإن الله مع الصابرين. ألا إنكم تفوزون بقتلهم ويشقون بقتلكم ؛ والله لا يقتل رجل منكم رجلا منهم إلّا أدخل الله القاتل جنات عدن وأدخل المقتول نارا تلظّى (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ)(١) ، عصمنا الله وإياكم بما عصم به أولياءه ، وجعلنا وإياكم ممّن أطاعه واتّقاه ، واستغفر الله لنا ولكم وللمؤمنين» (٢).
__________________
(١) الزخرف : ٧٥.
(٢) وقعة صفين : ٢٣٦ ـ ٢٣٧.