يا ابن قدامة ، تمنع الأزد عاملي (زيادا) وبيت مالي ، ومضر (ومنهم تميم) تشاقني وتنابذني؟! ـ وبنا ابتدأها الله بالكرامة وعرّفها الهدى! ـ وتدعو إلى المعشر الذين حادّوا الله ورسوله وأرادوا إطفاء نور الله ، حتّى علت كلمة الله وهلك الكافرون!
فقال له جارية : يا أمير المؤمنين ، ابعثني إليهم واستعن بالله عليهم.
فقال الإمام : قد بعثتك إليهم واستعنت بالله عليهم ، ثمّ كتب له كتابا إلى أهل البصرة وفيه : من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من قرئ عليه كتابي هذا من ساكني البصرة من المؤمنين والمسلمين ، سلام عليكم ، أما بعد ، فإنّ الله حليم ذو أناة ، لا يعجّل بالعقوبة قبل البيّنة ، ولا يأخذ المذنب عند أوّل وهلة ، ولكنّه يقبل التوبة ويستديم الأناة ويرضى بالإنابة ، ليكون أعظم للحجّة وأبلغ في المعذرة.
وقد كان من شقاق جلّكم أيها الناس ما استحققتم أن تعاقبوا عليه ، فعفوت عن مجرمكم ، ورفعت السيف عن مدبركم ، وقبلت من مقبلكم ، وأخذت بيعتكم ، فإن تفوا ببيعتي وتقبلوا نصيحتي وتستقيموا على طاعتي ، أعمل فيكم بالكتاب والسنّة وقصد الحق ، وأقم فيكم سبيل الهدى! فو الله ما أعلم أنّ واليا بعد محمّد صلىاللهعليهوآله «أعلم» بذلك منّي ولا «أعمل»! أقول قولي هذا صادقا ، غير ذام لمن مضى ولا منتقصا لأعمالهم.
فإنّ خطت بكم الأهواء المردية وسفه الرأي الجائر إلى منابذتي تريدون خلافي ، فها أنا ذا قرّبت جيادي ورحّلت ركابي ، وايم الله لئن ألجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعنّ بكم وقعة لا يكون «يوم الجمل» عندها إلّا كلعقة لاعق ، وإنّي لظانّ أن لا تجعلوا على أنفسكم سبيلا إن شاء الله. وقد قدّمت هذا الكتاب حجّة عليكم ، ولن أكتب إليكم من بعده كتابا إن أنتم استغششتم نصيحتي ونابذتم رسولي ، حتّى أكون أنا الشاخص نحوكم إن شاء الله! والسلام. فدفعه إليه وقال له : اقرأه عليهم.