من ربّي والحقّ في يدي؟! والله إنّ امرأ يمكّن عدوّه من نفسه يجدع لحمه ويهشّم عظمه ، ويفري جلده ويسفك دمه ، لضعيف ما ضمّت عليه جوانح صدره (يعني قلبه) أنت كن كذلك إن أحببت ، فأمّا أنا فدون ذلك ضرب بالمشرفي يطير منه فراش إلهام ، وتطيح منه الأكف والأقدام! ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء! وسكت.
فقام أبو أيوب خالد بن يزيد الأنصاري وتوجّه إلى الناس وقال لهم :
أيّها الناس ، إنّ أمير المؤمنين قد أسمع من كانت له أذن واعية وقلب حفيظ! إنّ الله قد أكرمكم بكرامة لم تقبلوها حقّ قبولها : إنّه ترك بين أظهركم ابن عمّ نبيكم وسيّد المسلمين من بعده ، يفقّهكم في الدين ، ويدعوكم إلى جهاد المحلّين ، فكأنّكم صمّ لا تسمعون ، أو قلوبكم غلف ، بل مطبوع عليها فأنتم لا تعقلون ، أفلا تستحيون؟!
عباد الله! إنّما عهدكم بالجور والعدوان أمس (في عهد عثمان) قد شمل البلاء وشاع في البلاد : فذو حقّ محروم ، وملطوم وجهه ، وموطأ بطنه (عمّار بن ياسر) ومنفيّ بالعراء تسفي عليه الأعاصير ، لا يكنّه من الحرّ والقرّ وصهر الشمس والضحّ إلّا الأثواب الهامدة وبيوت الشعر البالية (أبو ذر الغفاري) حتّى حباكم الله بأمير المؤمنين ، فصدع بالحقّ ، ونشر العدل ، وعمل بما في الكتاب.
يا قوم فاشكروا نعمة الله عليكم ولا تولّوا مدبرين (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ)(١).
اشحذوا السيوف ، واستعدّوا لجهاد عدوّكم ، فإذا دعيتم فأجيبوا ، وإذا أمرتم فاسمعوا وأطيعوا ، وما قلتم فليكن ما أضمرتم عليه ، تكونوا بذلك من الصادقين (٢).
__________________
(١) الأنفال : ٢١.
(٢) الغارات ٢ : ٤٩٣ ـ ٤٩٨.