واستمرّوها ، وعلموا لو أنّ صاحب الحقّ لزمهم لحال بينهم وبين ما يرعون فيه منها ، ولم يكن للقوم سابقة في الإسلام يستحقون بها الولاية والطاعة ، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا : قتل إمامنا مظلوما! ليكونوا بذلك جبابرة وملوكا ، وتلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون ولو لا هي ما بايعهم من الناس رجلان!
اللهمّ إن تنصرنا فطالما نصرت ، وإن تجعل لهم الأمر فادّخر لهم ـ بما أحدثوا لعبادك ـ العذاب الأليم (١).
اللهمّ إنّك تعلم أنّي لو أعلم أن رضاك أن أقذف بنفسي في هذا البحر (شط الفرات) لفعلت ، اللهمّ إنّك تعلم أني لو أعلم أن رضاك أن أضع ضبة سيفي في بطني ثمّ انحني عليها حتّى يخرج من ظهري لفعلت ، اللهم وإني أعلم أني لا أعلم اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين ، ولو أعلم اليوم عملا أرضى لك منه لفعلته (٢).
ثمّ لما رأى الحرب لا تزداد إلّا شدة ، والقتل لا يزداد إلّا كثرة ، ترك صفّه ورجع إلى أمير المؤمنين عليهالسلام فقال له : يا أمير المؤمنين : هو هو؟ قال له : ارجع إلى صفّك! فعل ذلك ثلاث مرات ، ففي مرّتين قال له : ارجع إلى صفّك! ولما كانت المرة الثالثة قال له : نعم. فرجع وهو يقول :
اليوم ألقى الأحبه |
|
محمّدا وحزبه (٣) |
ثمّ برز إلى ساحة القتال ، وهو رجل طويل شديد الأدمة ، بعيد ما بين المنكبين ، أشهل العينين (٤) لا يغيّر شيبه وعليه درع وعلى رأسه مغفر ، وقد تجاوز
__________________
(١) وقعة صفين : ٣١٩.
(٢) وقعة صفين : ٣٢٠.
(٣) اختيار معرفة الرجال : ٢٩ ، الحديث ٥٦ عن الباقر عليهالسلام.
(٤) المعارف لابن قتيبة : ٢٥٨ ، والشهل : سواد بزرقة.