فصيّرها ـ والله ـ في حوزة خشناء يخشن مسّها ويغلظ كلمها ، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة : إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحّم ، فمني الناس ـ لعمرو الله ـ بخبط وشماس ، وتلوّن واعتراض ، فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة!
إلى أن حضرته الوفاة فجعلها شورى في جماعة زعم أنّي أحدهم! فيا لله وللشورى! متى اعترض فيّ الريب مع الأوّلين منهم حتّى صرت أقرن إلى هذه النظائر ، لكنّي أسففت إذ أسفّوا وطرت إذ طاروا. فمال رجل لضغنه ، وصغا آخر لصهره ، مع هن وهن!
إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وأسرع معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الابل نبتة الربيع! إلى أن نزت به بطنته وأجهز عليه عمله.
فما راعني إلّا والناس إليّ ، كعرف الضّبع قد انثالوا عليّ ، من كل جانب يسألونني أن ابايعهم ، حتّى لقد وطئ الحسنان وشقّ عطفاي (معطفي).
فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة ، وقسطت أخرى ، ومرق آخرون ، كأنّهم لم يسمعوا الله تعالى يقول : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(١) بلى والله لقد سمعوها ووعوها ، ولكن حليت دنياهم في أعينهم وراقهم زبرجها!
أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لو لا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود «الناصر» وما أخذ الله على العلماء أولياء الأمر أن لا يقرّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها ، ولألفيتم دنياكم هذه عندي أزهد من عفطة عنز!
__________________
(١) القصص : ٨٣.