قد عبروا! قال : كلّا ما عبروا! قال : رأيت راياتهم وأثقالهم في ذلك الجانب! قال : والله ما فعلوا! وإنّه لمصرعهم ومهراق دمائهم! ثمّ نهض.
فقلت في نفسي : الحمد لله! هذا أحد رجلين : إمّا رجل على بيّنة من ربّه وعهد من نبيّه وإمّا رجل كذّاب جريء! اللهم إني اعطيك عهدا : إن أنا وجدت القوم لم يعبروا أن اقيم وأتمّ على القتال والمناجزة ، وإن وجدت القوم قد عبروا أن أكون أول من يقاتله ويطعن بالرمح في عينه (١)!
ولعلّ هذا المحلّ هو ما ذكر ابن الأعثم الكوفي في «الفتوح» أن الإمام عليهالسلام سار حتّى نزل على فرسخين (ـ ١١ كم) من النهروان (أي في منتصف ما بين بغداد والنهروان) ثمّ دعا بغلام له (؟) فقال له : اركب إلى هؤلاء القوم وقل لهم عنّي :
ما الذي حملكم على الخروج عليّ؟ ألم أقصد في حكمهم؟ ألم أعدل في قسمكم ، ألم أقسم فيكم فيئكم؟ ألم أرحم صغيركم؟ ألم أوقّر كبيركم؟ ألم تعلموا أني لم أتّخذكم خولا ولم أجعل ما لكم نفلا؟ وإياك أن تردّ على أحدهم شيئا وإن شتموك فاحتمل ، وانظر ما ذا يردّون عليك.
فردّوا عليه : إنا نخاف أن يردّنا بكلامه الحسن كما ردّ إخواننا بحروراء ، والله تعالى يقول (في قريش) : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)(٢) ومولاك عليّ منهم ، فارجع إليه وأخبره بأن اجتماعنا هاهنا لجهاده ومحاربته لا غير (٣).
__________________
(١) الإرشاد ١ : ٣١٧ ـ ٣١٨ وتمامه : ثمّ وجدنا الأثقال والرايات كما هي وإذا به أخذ بقفاي ودفعني وقال : يا أخا الأزد أتبيّن لك الأمر؟ قلت : أجل يا أمير المؤمنين! قال : فشأنك بعدوّك. وانظر آخر الخبر في شرح النهج للمعتزلي الشافعي ٢ : ٢٧٢ عن المدائني.
(٢) الزخرف : ٥٨.
(٣) الفتوح ٤ : ٢٦١.