ودخل عتبة بن أبي سفيان أخو معاوية الذي أشار عليه بمشورة عمرو بن العاص ، ورأى تلكّؤ أخيه معاوية على عمرو بمصر ، فقال له : أما ترضى أن تشتري عمرا بمصر إن صفت لك؟! فقال له معاوية : بت عندنا الليلة (١).
وبات معاوية مفكّرا في أمره حتى أصبح متأثرا بعتاب أخيه عتبة ، فأرسل إلى عمرو وأعطاه ما استعطاه من ملك الفراعنة إن صفت له بعد علي عليهالسلام ، فاستوثقه عمرو بكتاب ، فأمر معاوية كاتبه أن يكتب له بذلك كتابا وقال له : اكتب : على أن لا ينقض شرط طاعة! أي تكون طاعة عمرو له مطلقة غير مقيّدة بشرط طعمة مصر! وانتبه عمرو لهذه المكيدة من معاوية فمنع الكاتب أن يكتب كذلك وقال : بل اكتب : على أن لا تنقض طاعة شرطا! أي لا تنقض طاعته لمعاوية ما اشترط عليه من طعمة مصر ، فمنعه من كيده له. ثمّ قال له : والله شاهد لي عليك بذلك؟! قال معاوية : نعم ، لك الله عليّ بذلك! قال عمرو : «والله على ما نقول وكيل» ثمّ خرج من عنده بالكتاب.
فتلقاه ابناه عبد الله ومحمد فسألاه ما صنع؟ قال : أعطانا مصر طعمة! فقالا : وما مصر في ملك العرب! فقال عمرو : إن لم يشبعكما مصر فلا أشبع الله بطونكما (٢)!
__________________
(١) وقعة صفّين : ٣٩ ، وضمن الخبر : أن قيصر زحف بجماعة الروم إلى الشام! فقال له عمرو : أما قيصر : فاهد له من وصفاء الروم ووصائفها وأواني الذهب والفضة واسأله الموادعة فإنه سيسرع إليها. وفيه أيضا : أن محمد بن أبي حذيفة العبشمي قد كسر سجن مصر فخرج هو وأصحابه! فقال له عمرو : ابعث عليه خيلا تأتيك به أو تقتله ، وإن فاتك فلا يضرك! وهذا واضح الفساد إذ بلاد مصر يومئذ لم تكن لمعاوية حتى يكون له بها سجن وسجناء! وفات هذا التهافت على الرواة من الغباء!
(٢) وقعة صفّين : ٤٠ وبهامشه جملة الشرط والطاعة عن الكامل للمبرّد طبعة ليبسك : ١٨٤ ، ونقل الخبر المعتزلي الشافعي في شرح الخطبة ٢٦ من شرح نهج البلاغة