أنا يعسوب المؤمنين ، وأول السابقين ، وأوّل المتّقين ، وخاتم الوصيّين ، ووارث النبيّين ، وخليفة ربّ العالمين. أنا ديّان الناس يوم القيامة ، وقسيم الله بين أهل الجنّة والنار ، وأنا الصدّيق الأكبر ، والفاروق (الأعظم) الذي يفرّق به بين الحقّ والباطل. وإن عندي علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب. وما من آية إلّا وقد علمت فيم نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت!
فقام إليه رجل وقال له : يا أمير المؤمنين ، أخبرنا عن البلايا.
فقال عليهالسلام : إذا سأل سائل فليعقل ، وإذا سئل مسئول فليتثبّت. إنّ من ورائكم امورا متلجلجة مجلجلة ، وبلاء مكلحا مبلحا (١) والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة : لو قد فقدتموني ونزلت عزائم الامور وحقائق البلاء لأطرق كثير من السائلين واشتغل كثير من المسئولين ، وذلك إذا ظهرت حربكم وكشفت عن ناب وقامت على ساق ، وصارت الدنيا بلاء عليكم ، حتى يفتح الله لبقيّة الأبرار.
فقام إليه رجل آخر وقال له : يا أمير المؤمنين : حدّثنا عن الفتن.
فقال عليهالسلام : إن الفتن إذا أقبلت أشبهت ، وإذا أدبرت أسفرت ، لها موج كموج البحر ، وإعصار كإعصار الريح ، تصيب بلدا وتخطى آخر ، فانتظروا أقواما كانوا أصحاب الرايات يوم بدر فانصروهم تنصروا وتؤجروا وتعذروا.
ثمّ أخذ يحذّرهم بتخويفهم من فتنة بني امية عسى أن يبعثهم على معونته عليهم فقال :
ألا إنّ أخوف الفتن عليكم من بعدي فتنة بني امية ، إنها فتنة عمياء صمّاء مطبقة مظلمة ، خصّت بليّتهما وعمّت فتنتها ... أهل باطلها ظاهرون على أهل حقّها ، يملئون الأرض بدعا وظلما وجورا ، وأوّل من يضع جبروتها ويكسر عمودها وينزع أوتادها الله رب العالمين وقاصم الجبارين. ألا وإنّكم ستجدون بني امية
__________________
(١) أي : مفزعة ومعجّزة.