وكان عبد الله بن عامر بن كريز واقفا مع معاوية ، وكان من قبل صديقا لابن بديل ، وخاف أن يمثّل به معاوية فألقى عمامته عليه ، فأعطاه معاوية عهدا أن لا يمثّل به فرفع عمامته عن وجه ابن بديل ، فنظر إليه معاوية وقال : هذا كبش القوم وربّ الكعبة ... مع أن نساء خزاعة لو قدرت على أن تقاتلني لفعلت فضلا عن رجالها (١).
ولما استلحم ابن بديل وأصحابه القرّاء المائة من الميمنة ، تقدّم زياد بن النضر الحارثي الهمداني فرفع رايته لأهل الميمنة واجتمع إليه جمع منهم فقاتل بهم حتّى صرع وحمل ، فلما صرع زياد رفع يزيد بن قيس الهمداني رايته لهم واجتمع إليه جمع منهم فقاتل بهم حتى صرع وحمل (٢).
وكأنّه لإنقاذ أولئك القرّاء مع الخزاعي أمر الإمام سهل بن حنيف الأنصاري بمن معه من أهل المدينة أن يستقدموا لإنقاذهم ، فاستقدموا ، ولكن استقبلتهم من أهل الشام جموع في خيل عظيم حملوا عليهم فألحقوهم بميمنة الإمام المنكشفة (٣).
وكان من الميمنة ثمانمائة من شباب همدان ، وكانت رايتهم مع أبناء شريح الستة ، كلما قتل منهم رجل أخذ الراية آخر ، حتى قتل هؤلاء الإخوة الستة جميعا ، ثمّ أخذ الراية الإخوة الثلاثة أبناء زيد فقتل هؤلاء الإخوة الثلاثة جميعا ، ثمّ أخذ الراية ابنا بشر فقتلا ، ثمّ أخذ الراية أبو القلوص فأراد أن يستقبل أو يستقتل فقال له بعضهم : لقد قتل أشراف قومك حولها فلا تقتل نفسك ولا من بقي ممّن معك ، فانصرفوا آخر الناس وقد صبروا حتى أصيب مائة وثمانون رجلا منهم ، وانصرفوا وهم يقولون : ليت لنا عديدا من العرب يحالفوننا ثمّ نستقدم فلا ننصرف حتّى نقتل أو نظهر (٤).
__________________
(١) وقعة صفين : ٢٤٥ ـ ٢٤٧ ، وفي مروج الذهب ٢ : ٣٨٧ ـ ٣٨٨.
(٢) وقعة صفين : ٢٥٣ ـ ٢٥٤.
(٣) وقعة صفين : ٢٤٨.
(٤) وقعة صفين : ٢٥٢ ـ ٢٥٣.