ولا نصحتم له في عدوّه ، فكيف بذلك وأنتم أبناء الحرب وأصحاب الغارات وفتيان الصباح (الغارة) وفرسان الطّراد وحتوف الأقران ومذحج الطعان ، الذين لم يكونوا يسبقون بثارهم ولا تطلّ دماؤهم ، ولا يعرفون في موطن من المواطن بخسف ، وأنتم أحدّ أهل مصركم وأعدّ حيّ في قومكم ، وما تفعلوا في هذا اليوم فإنه مأثور بعد اليوم ، فاتّقوا مأثور الحديث في غد ، وأصدقوا في عدوّكم اللقاء ، فإن الله مع الصابرين. والذي نفس مالك بيده ما من هؤلاء (أهل الشام) رجل على جناح بعوضة من دين الله ، والله ما أحسنتم اليوم القراح. أجلوا سواد وجهي يرجع دمي في وجهي. عليكم بهذا السواد الأعظم ، فإنّ الله لو فضّه تبعه من بجانبه كما يتبع السيل مقدّمه.
فتنادوا : خذ بنا حيث أحببت. فصمد بهم نحو الميمنة يزحف إليهم ويردّهم ، حتّى استقبله الثمانمئة من شباب همدان فوقفوا معه وزحف بهم الأشتر نحو الميمنة ، وثاب إليه ناس من أهل البصيرة والحياء والوفاء تراجعوا إليه ، فبدأ لا يعمد لكتيبة إلّا كشفها ولا لجمع إلّا حازه وردّه (١).
وكانت بيده صفيحة يمانية إذا طأطأها تخال فيها ماء منصبّا ، وإذا رفعها فلها شعاع يكاد يغشي البصر (٢) وكان هو طويلا عظيما غير ضخم في لحمه.
فلما اجتمع إليه أكثر المنهزمين من الميمنة قال لهم : استقبلوا القوم بهاماتكم وعضّوا على النواجذ والأضراس ، وإن الفرار من الزحف فيه سلب العزّ والغلبة على الفيء ، وذلّ المحيا والممات ، وعار الدنيا والآخرة!
ثمّ حمل بهم على ميسرة الشام بعد صلاة العصر حتى كشفهم وألحقهم بمضرب معاوية (٣).
__________________
(١) وقعة صفين : ٢٥٠ ـ ٢٥٢.
(٢) وقعة صفين : ٢٥٥.
(٣) وقعة صفين : ٢٥٥.