من توجّه الأشتر إلى مصر فدفعه بقتله بالسمّ ، فجزم عزمه على إعزام ابن العاص ، فكتب كتابا إلى محمد بن أبي بكر :
أمّا بعد ، فإنّ غبّ البغي والظلم عظيم الوبال ، وإنّ سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا والتبعة الموبقة في الآخرة! وما نعلم أحدا كان أعظم بغيا على عثمان ولا أسوأ عيبا ولا أشدّ خلافا عليه منك! سعيت عليه في الساعين ، وساعدت عليه مع المساعدين ، وسفكت دمه مع السافكين! ثمّ أنت تظنّ أنّي عنك نائم! ثمّ تأتي بلدة فتأمن فيها وجلّ أهلها نصارى يرون رأيي ويرقبون قولي ويستصرخونني عليك!
وقد بعثت إليك قوما حناقا عليك يسفكون ويستسقون دمك! وهم يتقرّبون إلى الله بجهادك! قد أعطوا الله عهدا ليقتلنّك (وليمثلنّ بك) ولو لم يكن منهم إليك ما قالوا لقتلك الله ، بأيديهم أو بأيدي غيرهم من أوليائه! فأحذّرك وانذرك! وأنا أحبّ أن يقتلوك بظلمك ووقيعتك وعدوانك على عثمان يوم الدار : تطعن بمشاقصك (نصل عريض) فيما بين أحشائه (عظام الآذان) وأوداجه ، ولكن أكره أن أمثّل بقرشيّ ، ولن يسلّمك الله من القصاص أينما كنت ، والسلام. ثمّ سلّم الكتاب إلى عمرو ووجّهه إلى مصر ، فمضى حتّى نزل بأوائله ، وتسامع به العثمانيون فتوافدوا عليه ، فكتب إلى ابن أبي بكر :
أمّا بعد ، فتنحّ عنّي بدمك يا ابن أبي بكر ، فإنّي لا احبّ أن يصيبك منّي ظفر ، وإنّ الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك ورفض أمرك ، وندموا على اتّباعك! وهم مسلموك لو قد التقت حلقتا البطان (فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ)(١) والسلام. وضمّه إلى كتاب معاوية إليه (٢).
__________________
(١) القصص : ٢٠.
(٢) الغارات ١ : ٢٧٧ ـ ٢٧٨ ، وتاريخ الطبري ٥ : ١٠١ عن أبي مخنف.