فيقول أولهم : انظروا إلي كيف أسخر منهم ، وأكف عاديتهم (٢) عنكم ، فإذا التقوا ، قال أولهم : مرحبا بسلمان ابن الإسلام ، الذي قال فيه محمد سيد الأنام : لو كان الدين معلقا بالثريا لتناوله رجال من أبناء فارس ، هذا أفضلهم ـ يعنيك ـ وقال فيه : سلمان منا أهل البيت ؛ فقرنه بجبرئيل عليهالسلام الذي قال له يوم العباء ـ لما قال لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : وأنا منكم؟ قال ـ : وأنت منا ، حتى ارتقى جبرئيل إلى الملكوت الأعلى ، يفتخر على أهله ويقول : بخ ، بخ ، وأنا من أهل بيت محمد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ثم يقول للمقداد : ومرحبا بك ـ يا مقداد ـ أنت الذي قال فيك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعلي عليهالسلام : يا علي ، المقداد أخوك في الدين وقد قد منك ، فكأنه بعضك ؛ حبا لك ، وبغضا لأعدائك ، وموالاة لأوليائك ، لكن ملائكة السماوات والحجب أشد حبا لك منك لعلي عليهالسلام ، وأشد بغضا على أعدائك منك على أعداء علي عليهالسلام فطوباك ثم طوباك.
ثم يقول لأبي ذر : مرحبا بك ـ يا أبا ذر ـ أنت الذي قال فيك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما أقلت (٣) الغبراء ولا أظلت الخضراء (٤) على ذي لهجة أصدق من أبي ذر.
قيل : بما ذا فضله الله تعالى بهذا وشرفه؟ قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لأنه كان يفضل عليا أخي ، وله في كل الأحوال مداحا ، ولشانئيه وأعاديه شانئا ولأوليائه وأحبائه مواليا ، سوف يجعله الله عز وجل في الجنان من أفضل سكانها ، ويخدمه من لا يعرف عدده إلا الله من وصائفها (٥) وغلمانها وولدانها.
ثم يقول لعمار بن ياسر : أهلا وسهلا ـ يا عمار ـ نلت بموالاة أخي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ مع أنك وادع رافه (٦) ، لا تزيد على المكتوبات والمسنونات من سائر العبادات ـ ما لا يناله الكاد (٧) بدنه ليله ونهاره ـ يعني الليل قياما ، والنهار صياما ـ والباذل أمواله وإن كانت جميع أموال الدنيا له.
مرحبا بك ، فقد رضيك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعلي أخيه مصافيا ، وعنه مناوئا ، حتى أخبر أنك ستقتل في محبته ، وتحشر يوم القيامة في خيار زمرته ، وفقني الله لمثل عملك وعمل أصحابك ، ممن توفر (٨) على خدمة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأخي محمد علي ولي الله ، ومعاداة أعدائهما بالعداوة ، ومصافاة أوليائهما بالموالاة والمشايعة ، سوف يسعدنا الله يومنا هذا إذا التقينا بكم ، فيقبل سلمان وأصحابه ظاهرهم كما أمر الله تعالى ، ويجوزون عنهم.
__________________
(٢) دفعت عنك عادية فلان : أي ظلمه وشرّه. «الصحاح ـ عدا ـ ٦ : ٢٤٢٢».
(٣) أقلّ فلان الشّيء : طاقه وحمله. «مجمع البحرين ـ قلل ـ ٥ : ٤٥٣».
(٤) المراد بالغبراء الأرض لأنّها تعطي الغبرة في لونها ، وبالخضراء السمّاء لأنّها تعطي الخضرة. «مجمع البحرين ـ خضر ـ ٣ : ٢٨٨».
(٥) الوصيفة : الجارية. «مجمع البحرين ـ وصف ـ ٥ : ١٢٩».
(٦) الوادع : الساكن. «مجمع البحرين ـ ودع ـ ٤ : ٤٠١». والرافة : المستريح المتنعّم. «القاموس المحيط ـ رفعه ـ ٤ : ٢٨٦».
(٧) كددت الشّيء : أتعبته ، والكدّ : الشدّة في العمل وطلب الكسب. «الصحاح ـ كدد ـ ٢ : ٥٣٠».
(٨) توفّر على الشّيء : صرف إليه همّته. «المعجم الوسيط ـ وفر ـ ٢ : ١٠٤٦».