مساكن العصاة ، وأوردتهم مواردهم ولا أبالي».
قال : «فقالت الملائكة : يا ربنا ، افعل ما شئت (لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (٩)».
قال : «فباعدهم الله من العرش [مسيرة] خمسمائة عام ـ قال ـ : فلاذوا بالعرش وأشاروا بالأصابع ، فنظر الرب عز وجل إليهم ونزلت الرحمة فوضع لهم البيت المعمور (١٠) ، فقال : طوفوا به ودعوا العرش فإنه لي رضا ، فطافوا به ـ وهو البيت الذي يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبدا ـ فوضع الله البيت المعمور توبة لأهل السماء ، ووضع الكعبة توبة لأهل الأرض.
فقال الله تبارك وتعالى : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) (١١) ـ قال ـ وكان ذلك من الله تقدمة في آدم قبل أن يخلقه ، واحتجاجا منه عليهم».
قال : «فاغترف ربنا عز وجل غرفة بيمينه من الماء العذب الفرات ـ وكلتا يديه يمين (١٢) ـ فصلصلها في كفه حتى جمدت ، فقال لها : منك أخلق النبيين والمرسلين ، وعبادي الصالحين ، والأئمة المهتدين ، والدعاة إلى الجنة وأتباعهم إلى يوم القيامة ولا أبالي ، ولا أسأل عما أفعل وهم يسألون.
ثم اغترف غرفة أخرى من الماء المالح الأجاج ، فصلصلها في كفه فجمدت ، فقال لها : منك أخلق الجبارين ، والفراعنة والعتاة وإخوان الشياطين ، والدعاة إلى النار إلى يوم القيامة وأشياعهم ولا أبالي ، ولا أسأل عما أفعل وهم يسألون».
قال : «وشرط (١٣) البداء (١٤) فيهم (١٥) ، ولم يشترط في أصحاب اليمين ؛ ثم خلط الماءين جميعا في كفه
__________________
(٩) البقرة ٢ : ٣٢.
(١٠) قال الطريحي رحمهالله : قيل : هو في السّماء حيال الكعبة ضجّ من الغرق ، فرفعه الله إلى السّماء وبقي أسه ، يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك ثمّ لا يعودون إليه ، والمعمور : المأهول ، وعمرانه كثرة غاشية من الملائكة. «مجمع البحرين ـ عمر ـ ٣ : ٤١٢».
(١١) الحجر ١٥ : ٢٨ و ٢٩.
(١٢) قال ابن الأثير : أي انّ يديه تبارك وتعالى بصفة الكمال ، لا نقص في واحدة منهما ، لأنّ الشّمال تنقص عن اليمين ، وكلّ ما جاء في القرآن والحديث من إضافة اليد والأيدي ، واليمين وغير ذلك من أسماء الجوارح إلى الله تعالى ، فإنّما هو على سبيل المجاز والاستعارة ، والله منزّه عن التشبيه والتجسيم. «النهاية ـ يمن ـ ٥ : ٣٠١».
وقال المجلسيّ رحمهالله : يمكن توجيهه بوجوه ثلاثة : الأوّل : أن يكون المراد باليد القدرة ، واليمين كناية عن قدرته على اللطف والإحسان والرحمة ، والشّمال كناية عن قدرته على القهر والبلايا والنقمات ، والمراد بكون كلّ منهما يمينا كون قهره ونقمته وبلائه أيضا لطفا وخيرا ورحمة ، الثاني : أن يكون المراد على هذا التأويل أيضا أنّ كلاّ منهما كامل في ذاته لا نقص في شيء منهما ، الثالث : أن يكون المراد بيمينه يمين الملك الذي أمره بذلك ، ويكون كلتا يديه يمينا مساواة قوّة يديه وكمالهما. «بحار الأنوار ١١ : ١٠٧».
(١٣) في المصدر : وشرطه في ذلك.
(١٤) بدا له في الأمر : إذا ظهر له استصواب شيء غير الأوّل ، والاسم منه البداء وهو بهذا المعنى مستحيل على الله تعالى. كما جاءت به الرواية عنهم : : «بأن الله لم يبد له من جهل»! وقوله عليهالسلام : «ما بدا لله في شيء إلاّ كان في علمه قبل أن يبدو له». «مجمع البحرين ـ بدا ـ ١ ـ ٤٥».
(١٥) (فيهم) ليس في المصدر.