مرتبتك من كراماتي ، ووفرت نصيبك من رحماتي. فذلك قوله عز وجل : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
ثم قال الله عز وجل للذين أهبطهم من آدم وحواء وإبليس والحية : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) (٩) مقام فيها تعيشون ، وتحثكم لياليها وأيامها إلى السعي إلى الآخرة ، فطوبى لمن تزود منها لدار البقاء (وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (١٠) لكم في الأرض منفعة إلى حين موتكم ، لأن الله تعالى منها يخرج زروعكم وثماركم ، وبها ينزلكم (١١) وينعمكم ، وفيها أيضا بالبلايا يمتحنكم ؛ يلذذكم بنعيم الدنيا تارة ليذكركم بنعيم الآخرة الخالص ، مما ينقص نعيم الدنيا ويبطله ، ويزهد فيه ويصغره ويحقره ، ويمتحنكم تارة ببلايا الدنيا التي قد تكون في خلالها الرحمات (١٢) ، وفي تضاعيفها النقمات المجحفة التي (١٣) تدفع عن المبتلى بها مكارهها ، ليحذركم بذلك عذاب الأبد الذي لا يشوبه عافية ، ولا يقع في تضاعيفه راحة ولا رحمة».
٤٢٨ / ١٣ ـ وقال الإمام أبو محمد العسكري عليهالسلام : «قال علي بن الحسين عليهالسلام : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : يا عباد الله ، إن آدم لما رأى النور ساطعا من صلبه ، إذ كان تعالى قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره ، رأى النور ولم يتبين الأشباح ، فقال : يا رب ، ما هذه الأنوار؟ قال الله عز وجل : أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك ، ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك ، إذ كنت وعاء لتلك الأشباح.
فقال آدم : يا رب ، لو بينتها لي؟ فقال الله عز وجل : انظر ـ يا آدم ـ إلى ذروة العرش. فنظر آدم عليهالسلام ووقع نور أشباحنا من ظهر آدم عليهالسلام على ذروة العرش ، فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره ـ كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية ـ فرأى أشباحنا.
فقال : ما هذه الأشباح ، يا رب؟ قال الله تعالى : يا آدم ، هذه أشباح أفضل خلائقي وبرياتي ، هذا محمد ، وأنا المحمود الحميد في أفعالي ، شققت له اسما من اسمي ، وهذا علي ، وأنا العلي العظيم ، شققت له اسما من اسمي ، وهذه فاطمة ، وأنا فاطر السماوات والأرض ، فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل القضاء ، وفاطم أوليائي مما يعتريهم ويشينهم (١) ، فشققت لها اسما من اسمي ، وهذان الحسن والحسين ، وأنا المحسن المجمل ، شققت اسمهما (٢) من اسمي. هؤلاء خيار خليقتي ، وكرام بريتي ، بهم آخذ وبهم أعطي ، وبهم أعاقب وبهم أثيب ، فتوسل
__________________
(٩ ، ١٠) البقرة ٢ : ٣٦.
(١١) في المصدر : ينزّهكم.
(١٢) في «ط» : الزحمات.
(١٣) في المصدر : وفي تضاعيفها النعم التي.
١٣ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٢١٩ / ١٠٢.
(١) في المصدر : عمّا يعرّهم ويسيئهم.
(٢) في المصدر : اسميهما.