٤٥٢ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليهالسلام : «قال عز وجل لقوم من مردة اليهود ومنافقيهم المحتجبين (١) لأموال الفقراء ، المستأكلين (٢) للأغنياء ، الذين يأمرون بالخير ويتركونه ، وينهون عن الشر ويرتكبونه ، قال : يا معاشر اليهود ، (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) بالصدقات وأداء الأمانات (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) ما به تأمرون (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) التوراة الآمرة بالخيرات والناهية عن المنكرات ، المخبرة عن عقاب المتمردين ، و [عن] عظيم الشرف الذي يتطول الله به على الطائعين المجتهدين (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ما عليكم من عقاب الله عز وجل في أمركم بما به لا تأخذون ، وفي نهيكم عما أنتم فيه منهمكون.
وكان هؤلاء قوم من رؤساء اليهود وعلمائهم احتجبوا (٣) أموال الصدقات والمبرات فأكلوها واقتطعوها ، ثم حضروا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد حشروا (٤) عليه عوامهم ، يقولون : إن محمدا تعدى طوره ، وادعى ما ليس له.
فجاءوا بأجمعهم إلى حضرته ، وقد اعتقد عامتهم أن يقعوا برسول الله فيقتلوه ، ولو أنه في جماهير أصحابه ، لا يبالون بما آتاهم به الدهر ، فلما حضروه وكثروا وكانوا بين يديه ، قال لهم رؤساؤهم ـ وقد واطئوا عوامهم على أنهم إذا أفحموا محمدا وضعوا عليه سيوفهم ، فقال رؤساؤهم ـ : يا محمد ، جئت تزعم أنك رسول رب العالمين نظير موسى وسائر الأنبياء المتقدمين؟
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أما قولي : إني رسول الله فنعم ، وأما أن أقول : إني أنا نظير موسى وسائر الأنبياء ، فما أقول هذا ، وما كنت لأصغر ما عظمه الله تعالى من قدري ، بل قال ربي : يا محمد ، إن فضلك على جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين كفضلي ـ وأنا رب العزة ـ على سائر الخلق أجمعين ؛ وكذلك ما قال الله تعالى لموسى لما ظن أنه قد فضله على جميع العالمين. فغلظ ذلك على اليهود ، وهموا بقتله ، فذهبوا يسلون سيوفهم فما منهم أحد إلا وجد يديه إلى خلفه كالمكتوف ، يابسا لا يقدر أن يحركهما وتحيروا.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ورأى ما بهم من الحيرة ـ : لا تجزعوا ، فخير أراد الله بكم ، منعكم من التوثب (٥) على وليه ، وحبسكم على استماع حججه في نبوة محمد ووصية أخيه علي.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : معاشر اليهود ، هؤلاء رؤساؤكم كافرون ، ولأموالكم محتجبون ، ولحقوقكم باخسون ، ولكم ـ في قسمة من بعد ما اقتطعوه ـ ظالمون ، يخفضون فيرفعون.
__________________
سورة البقرة آية ـ ٤٤ ـ
١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٢٣٣ / ١١٤.
(١) في المصدر : المحتجنين. احتجنته : إذا جذبته بالمحجن إلى نفسك ، «الصحاح ـ حجن ـ ٥ : ٢٠٩٧». والمحجن كالصولجان.
(٢) يستأكل الضعفا ، أي يأخذ أموالهم. «الصحاح ـ أكل ـ ٤ : ١٦٢٥».
(٣) في المصدر : احتجنوا.
(٤) حشرت النّاس : جمعتهم. «الصحاح ـ حشر ـ ٢ : ٦٣٠».
(٥) في المصدر : الوثوب.