اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) وتضربون ببعضها هذا المقتول بين أظهركم ليقوم حيا سويا بإذن الله تعالى ، ويخبركم بقاتله ؛ وذلك حين ألقي القتيل بين أظهرهم.
فألزم موسى عليهالسلام أهل القبيلة بأمر الله تعالى أن يحلف خمسون من أماثلهم (١) بالله القوي الشديد إله بني إسرائيل ، مفضل محمد وآله الطيبين على البرايا أجمعين : أنا ما قتلناه ، ولا علمنا له قاتلا ، فإن حلفوا بذلك غرموا دية المقتول ، وإن نكلوا نصوا على القاتل ، أو أقر القاتل فيقاد (٢) منه ، فإن لم يفعلوا احبسوا في محبس ضنك إلى أن يحلفوا ، أو يقروا ، أو يشهدوا على القاتل.
فقالوا : يا نبي الله ، أما وقت (٣) أيماننا أموالنا ، ولا أموالنا أيماننا؟ قال : لا ، هذا حكم الله.
وكان السبب أن امرأة حسناء ذات جمال ، وخلق كامل ، وفضل بارع ، ونسب شريف ، وستر ثخين ؛ كثر خطابها ، وكان لها بنو أعمام ثلاثة ، فرضيت بأفضلهم علما ، وأثخنهم سترا ، وأرادت التزويج [به] ، فاشتد حسد ابني عمه الآخرين له ، وغبطاه (٤) عليها ، لإيثارها من آثرته (٥) ، فعمدا إلى ابن عمها المرضي فأخذاه إلى دعوتهما ، ثم قتلاه وحملاه إلى محلة تشتمل على أكبر قبيلة من بني إسرائيل ، فألقياه بين أظهرهم ليلا ، فلما أصبحوا وجدوا القتيل هناك ، فعرف حاله ، فجاء ابنا عمه القاتلان ، فمزقا ثيابهما على أنفسهما ، وحثيا التراب على رؤوسهما ، واستعديا (٦) عليهم ، فأحضرهم موسى عليهالسلام وسألهم ، فأنكروا أن يكونوا قتلوه ، أو علموا قاتله».
قال : «فحكم الله على من فعل هذه الحادثة ما عرفتموه فالتزموه ، فقالوا : يا موسى ، أي نفع في أيماننا لنا ، إذا لم تدرأ عنا الأيمان الغرامة الثقيلة؟ أم أي نفع لنا في غرامتنا إذا لم تدرأ عنا الأيمان؟ فقال موسى عليهالسلام : كل النفع في طاعة الله ، والائتمار (٧) لأمره ، والانتهاء عما نهى عنه.
فقالوا : يا نبي الله ، غرم (٨) ثقيل ولا جناية لنا ، وأيمان غليظة ولا حق في رقابنا ، لو أن الله عز وجل عرفنا قاتله بعينه ، وكفانا مؤونته ، فادع لنا ربك يبين لنا هذا القاتل لتنزل به ما يستحق من العقاب ، وينكشف أمره لذوي الألباب.
فقال موسى عليهالسلام : إن الله عز وجل قد بين ما أحكم به في هذا ، فليس لي أن اقترح عليه غير ما حكم ، ولا
__________________
(١) أماثل القوم : خيارهم. «الصحاح ـ مثل ـ ٥ : ١٨١٦».
(٢) القود : القصاص ، وأقدت القاتل بالقتيل ، أي قتلته به. «الصحاح ـ قود ـ ٢ : ٥٢٨».
(٣) وفي «س» : وفت ، أي ساوت أو وازت.
(٤) الغبطة : أن تتمنّى مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوالها عنه. «الصحاح ـ غبط ـ ٣ : ١١٤٦».
(٥) في المصدر : لإيثارها إيّاه.
(٦) العدوى : طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك ، أي ينتقم منه ، يقال : استعديت على فلان الأمير فأعداني عليه ، أي استعنت به عليه فأعانني «الصحاح ـ عدا ـ ٦ : ٢٤٢١».
(٧) ائتمر الأمر : أي امتثله. «الصحاح ـ أمر ـ ٢ : ٥٨٢».
(٨) الغرم : ما يلزم أداؤه. «الصحاح ـ غرم ـ ٥ : ١٩٩٦».