قال الله جل وعز (١٥) بعد السؤال والجواب : (إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ) حسنة لون الصفرة (١٦) ، ليس بناقص يضرب إلى البياض ، ولا بمشبع يضرب إلى السواد (لَوْنُها) هكذا فاقع (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) إليها ، لبهجتها وحسنها وبريقها. (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) ما صفتها؟ يزيد في صفتها.
قال (١٧) الله عز وجل : (إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ) لم تذلل لإثارة الأرض ، ولم ترض (١٨) بها (وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) ولا هي مما تجر الدوالي (١٩) ، ولا تدير النواعير (٢٠) ، قد أعفيت من جميع ذلك (مُسَلَّمَةٌ) من العيوب كلها ، لا عيب فيها (لا شِيَةَ فِيها) لا لون فيها من غيرها.
فلما سمعوا هذه الصفات ، قالوا : يا موسى ، فقد أمرنا ربنا بذبح بقرة هذه صفتها؟ قال : بلى ؛ ولم يقل موسى في الابتداء بذلك ، لأنه لو قال : إن الله أمركم ؛ لكانوا إذا قالوا : ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ، وما لونها؟ كان لا يحتاج أن يسأله ذلك عز وجل ، ولكن كان يجيبهم هو بأن يقول : أمركم ببقرة ؛ فأي شيء وقع عليه اسم بقرة فقد خرجتم من أمره إذا ذبحتموها».
قال : «فلما استقر الأمر عليها (٢١) طلبوا هذه البقرة ، فلم يجدوها إلا عند شاب من بني إسرائيل ، أراه الله عز وجل في منامه محمدا وعليا وطيبي ذريتهما ، فقالا له : إنك كنت لنا محبا مفضلا ، ونحن نريد أن نسوق إليك بعض جزائك في الدنيا ، فإذا راموا شراء بقرتك فلا تبعها إلا بأمر أمك ، فإن الله عز وجل يلقنها ما يغنيك به وعقبك (٢٢).
ففرح الغلام وجاءه القوم يطلبون بقرته ، فقالوا : بكم تبيع بقرتك؟ فقال : بدينارين ، والخيار لأمي. قالوا : رضينا بدينار. فسألها فقالت : بأربعة. فأخبرهم ، فقالوا : نعطيك دينارين. فأخبر أمه فقالت : بثمانية. فما زالوا يطلبون على النصف مما تقول أمه (٢٣) فتضعف الثمن ، حتى بلغ ثمنها ملء مسك (٢٤) ثور أكبر ما يكون ملؤه دنانير ، فأوجب لهم البيع.
__________________
(١٥) في المصدر : قال موسى عن الله.
(١٦) في المصدر : حسن الصفرة.
(١٧) في المصدر زيادة : عن.
(١٨) رضت الدابّة : ذلّلتها. «مجمع البحرين ـ روض ـ ٤ : ٢١٠».
(١٩) الدوالي : جمع دالية ، وهي خشبة تصنع كهيئة الصليب وتشدّ برأس الدلو ، ثمّ يؤخذ حبل يربط طرفه بذلك ، وطرفه الآخر ، بجذع قائمة على رأس البئر ويستقى بها. «مجمع البحرين ـ دلا ـ ١ : ١٤٦».
(٢٠) النواعير : جمع ناعورة ، دولاب ذو دلاء أو نحوها ، يدور بدفع الماء أو جرّ الماشية ، فيخرج الماء من البئر أو النهر إلى الحقل. «المعجم الوسيط ـ نعر ـ ٢ : ٩٣٤».
(٢١) في المصدر : عليهم.
(٢٢) عقب الرجل : ولده وولد ولده. «الصحاح ـ عقب ـ ١ : ١٨٤».
(٢٣) في المصدر زيادة : ويرجع إلى أمه.
(٢٤) المسك : الجلد. «الصحاح ـ مسك ـ ٤ : ١٦٠٨».