ثم ذبحوها وأخذوا قطعة ـ وهي عجب (٢٥) الذنب الذي منه خلق ابن آدم ، وعليه يركب إذا أعيد خلقا جديدا ـ فضربوه بها ، وقالوا : اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما أحييت هذا الميت ، وأنطقته ليخبر عن قاتله ؛ فقام سالما سويا ، وقال : يا نبي الله ، قتلني هذان ابنا عمي ، حسداني على بنت عمي فقتلاني ، وألقياني في محلة هؤلاء ليأخذا ديتي منهم.
فأخذ موسى عليهالسلام الرجلين فقتلهما ، فكان قبل أن يقوم الميت ضرب بقطعة من البقرة فلم يحي ، فقالوا : يا نبي الله ، أين ما وعدتنا عن الله عز وجل؟ فقال موسى عليهالسلام : قد صدقت ، وذلك إلى الله عز وجل.
فأوحى الله عز وجل إليه : يا موسى ، إني لا أخلف وعدي ، ولكن لينقدوا إلى الفتى (٢٦) ثمن بقرته ملء مسك ثور (٢٧) دنانير ، ثم أحيي هذا الغلام.
فجمعوا أموالهم ، فوسع الله جلد الثور حتى وزن ما مليء به جلده فبلغ خمسة آلاف ألف دينار ، فقال بعض بني إسرائيل لموسى عليهالسلام ـ وذلك بحضرة المقتول المنشور المضروب ببعض البقرة ـ : لا ندري أيهما أعجب : إحياء الله هذا الميت وإنطاقه بما نطق ، أو إغناء هذا الفتى بهذا المال العظيم!! فأوحى الله إليه : يا موسى ، قل لبني إسرائيل من أحب منكم أن يطيب في الدنيا عيشه ، وأعظم في جناني محله ، وأجعل لمحمد (٢٨) فيها منادمته ، فليفعل كما فعل هذا الصبي ، إنه قد سمع من موسى بن عمران عليهالسلام ذكر محمد وعلي وآلهما الطيبين ، فكان عليهم مصليا ، ولهم على جميع الخلائق من الجن والإنس والملائكة مفضلا ، فلذلك صرفت إليه المال العظيم ليتنعم بالطيبات ويتكرم بالهبات والصلات ، ويتحبب بمعروفه إلى ذوي المودات ، ويكبت (٢٩) بنفقاته ذوي العداوات.
فقال الفتى : يا نبي الله ، كيف أحفظ هذه الأموال؟ أم كيف أحذر من عداوة من يعاديني فيها ، وحسد من يحسدني من أجلها؟
قال : قل عليها من الصلاة على محمد وآله الطيبين ما كنت تقول قبل أن تنالها ، فإن الذي رزقكها بذلك القول مع صحة الاعتقاد يحفظها عليك أيضا ويدفع عنك (٣٠) ، فقالها الفتى فما رامها (٣١) حاسد له ليفسدها ، أو لص ليسرقها ، أو غاصب ليغصبها ، إلا دفعه الله عز وجل عنها بلطف من ألطافه (٣٢) حتى يمتنع من ظلمه اختيارا ، أو
__________________
(٢٥) العجب : أصل الذنب. «الصحاح ـ عجب ـ ١ : ١٧٧» ، وفي المصدر : عجز.
(٢٦) في المصدر : ليقدموا للفتى.
(٢٧) في المصدر : ملء مسكها.
(٢٨) في المصدر : لمحمّد وآله الطيّبين.
(٢٩) الكبت : الصرف والإذلال. «الصحاح ـ كبت ـ ١ : ٢٦٢».
(٣٠) في المصدر : عليك أيضا بهذا القول مع صحّة الاعتقاد.
(٣١) في «س» : رآها.
(٣٢) في «ط» نسخة بدل : بلطيفة من لطائفة.