منعه منه بآفة أو داهية حتى يكفه عنه ، فيكف اضطرارا.
فلما قال موسى عليهالسلام للفتى ذلك ، وصار الله عز وجل له لمقالته حافظا ، قال هذا المنشور ، اللهم إني أسألك بما سألك هذا الفتى من الصلاة على محمد وآله الطيبين والتوسل بهم أن تبقيني في الدنيا متمتعا بابنة عمي ، وتجزي عني أعدائي وحسادي وترزقني فيها خيرا كثيرا طيبا.
فأوحى الله إليه : يا موسى ، إنه كان لهذا الفتى المنشور بعد القتل ستون سنة ، وقد وهبته بمسألته (٣٣) وتوسله بمحمد وآله الطيبين سبعين سنة ، تمام مائة وثلاثين سنة صحيحة حواسه ، ثابت فيها جنانه ، قوية فيها شهواته ، يمتع بحلال هذه الدنيا ، ويعيش ولا يفارقها ولا تفارقه ، فإذا حان حينه حان حينها وماتا جميعا معا فصارا إلى جناتي ، وكانا زوجين فيها ناعمين.
ولو سألني ـ يا موسى ـ هذا الشقي القاتل بمثل ما توسل به هذا الفتى على صحة اعتقاده أن أعصمه من الحسد ، وأقنعه بما رزقته ـ وذلك هو الملك العظيم ـ لفعلت.
ولو سألني بعد ذلك (٣٤) مع التوبة عن صنيعه أن لا أفضحه لما فضحته (٣٥) ، ولصرفت هؤلاء عن اقتراح إبانة القاتل ، ولأغنيت هذا الفتى من غير هذا الوجه بقدر هذا المال.
ولو سألني بعد ما افتضح ، وتاب إلي ، وتوسل بمثل وسيلة هذا الفتى أن أنسي الناس فعله ـ بعد ما ألطف لأوليائه فيعفون عن القصاص ـ فعلت ، فكان لا يعيره أحد بفعله ، ولا يذكره فيهم ذاكر ، ولكن ذلك فضلي أوتيه من أشاء ، وأنا العدل الحكيم (٣٦).
فلما ذبحوها قال الله تعالى : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) فأرادوا أن لا يفعلوا ذلك من عظم ثمن البقرة ، ولكن اللجاج حملهم على ذلك ، واتهامهم لموسى عليهالسلام حدأهم (٣٧) عليه».
قال : «فضجوا إلى موسى عليهالسلام ، وقالوا : افتقرت القبيلة ودفعت (٣٨) إلى التكفف (٣٩) ، فانسلخنا بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا ، فادع الله لنا بسعة الرزق.
فقال موسى عليهالسلام : ويحكم ما أعمى قلوبكم! أما سمعتم دعاء الفتى صاحب البقرة ، وما أورثه الله تعالى من الغنى؟ أو ما سمعتم دعاء المقتول المنشور ، وما أثمر له من العمر الطويل والسعادة والتنعم (٤٠) بحواسه وسائر
__________________
(٣٣) في «س» : بمسألتي.
(٣٤) في المصدر : بذلك.
(٣٥) في «س» : أفضحته.
(٣٦) في المصدر : وأنا ذو الفضل العظيم ، وأعدل بالمنع على من أشاء ، وأنا العزيز الحكيم.
(٣٧) حدأت إليه : أي لجأت إليه. «الصحاح ـ حدأ ـ ١ : ٤٣» ، وفي «ط» : جرّهم.
(٣٨) في «س» و «ط» : رفعت.
(٣٩) تكفّف : مدّ كفّه يسأل النّاس. «الصحاح ـ كفف ـ ٤ : ١٤٢٣».
(٤٠) في المصدر زيادة : والتمتع.