وانقياده (٣) لقضاء ربه عز وجل في إهلاك أعدائه على يد من يشاء من عباده. (فَإِنَّهُ) يعني جبرئيل (نَزَّلَهُ) يعني نزل هذا القرآن (عَلى قَلْبِكَ) يا محمد (بِإِذْنِ اللهِ) بأمر الله ، وهو كقوله : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (٤).
(مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) موافقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل والزبور ، وصحف إبراهيم ، وكتب شيث وغيرهم من الأنبياء.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن هذا القرآن هو النور المبين ، والحبل المتين ، والعروة الوثقى ، والدرجة العليا ، والشفاء الأشفى ، والفضيلة الكبرى ، والسعادة العظمى ، من استضاء به نوره الله ، ومن عقد به أموره (٥) عصمه الله ، ومن تمسك به أنقذه الله ، ومن لم يفارق أحكامه رفعه الله ، ومن استشفى به شفاه الله ، ومن آثره على ما سواه هداه الله ، ومن طلب الهدى في غيره أضله الله ، ومن جعله شعاره ودثاره (٦) أسعده الله ، ومن جعله إمامه الذي يقتدي به ، ومعوله الذي ينتهي إليه ، آواه (٧) الله إلى جنات النعيم ، والعيش السليم.
فلذلك قال : (وَهُدىً) يعني هذا القرآن هدى (وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) يعني بشارة لهم في الآخرة ، وذلك أن القرآن يأتي يوم القيامة بالرجل الشاحب ، يقول لربه عز وجل : يا رب ، هذا أظمأت نهاره ، وأسهرت ليله ، وقويت في رحمتك طمعه ، وفسحت في مغفرتك أمله ، فكن عند ظني فيك وظنه.
يقول الله تعالى : أعطوه الملك بيمينه ، والخلد بشماله ، وأقرنوه بأزواجه من الحور العين ، واكسوا والديه حلة لا تقوم لها الدنيا بما فيها. فتنظر إليهما الخلائق فيغبطونهما (٨) ، وينظران إلى أنفسهما فيعجبان منها ، ويقولان : يا ربنا ، أنى لنا هذه ولم تبلغهما أعمالنا؟! فيقول الله عز وجل : ومع هذا تاج الكرامة ، لم ير مثله الراءون ، ولا يسمع بمثله السامعون ، ولا يتفكر في مثله المتفكرون.
فيقال : هذا بتعليمكما ولدكما القرآن ، وتبصيركما إياه بدين الإسلام ، ورياضتكما (٩) إياه على حب رسول الله ، وعلي ولي الله ، وتفقيهكما إياه بفقههما. لأنهما اللذان لا يقبل الله لأحد عملا إلا بولايتهما ، ومعاداة أعدائهما ، وإن كان ملء ما بين الثرى إلى العرش ذهبا يتصدق (١٠) به في سبيل الله ، فتلك من البشارات التي يبشرون بها ،
__________________
(٣) في المصدر : وإنفاذه.
(٤) الشّعراء ٢٦ : ١٩٣ ـ ١٩٥.
(٥) في المصدر و «ط» نسخة بدل : ومن اعتقد به في أموره.
(٦) الشّعار : الثوب الذي يلي الجسد ، والدّثار : الثياب التي فوق الشّعار. والمراد هنا : ممارسته ومزاولته والمداومة عليه ظاهرا وباطنا.
(٧) يقال : أنت معوّلي : أي ثقتي ومعتمدي. «مجمع البحرين ـ عول ـ ٥ : ٤٣٢» ، وفي «ط» نسخة بدل : ومعاده الذي ينتهي إليه أراه.
(٨) الغبطة : أن تتمنّى مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوالها عنه ، وليس بحسد. «الصحاح ـ غبط ـ ٣ : ١١٤٦» ، وفي المصدر و «ط» : فيعظمونهما.
(٩) في «ط» نسخة بدل : رياضاتكما.
(١٠) في المصدر : تصدق.