تُرِيدُونَ) بل تريدون ، يا كفار قريش واليهود (أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ) ما تقترحونه من الآيات التي لا تعلمون هل فيها صلاحكم أو فسادكم (كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) واقترح عليه ، لما قيل له : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) (١).
(وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ) بعد جواب الرسول له : أن ما سأله لا يصلح اقتراحه على الله ، أو بعد ما يظهر الله تعالى له ما اقترح ، إن كان صوابا (٢).
(وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ) بأن لا يؤمن عند مشاهدة ما يقترح من الآيات ، أو لا يؤمن إذا عرف أنه ليس له أن يقترح ، وأنه يجب أن يكتفي بما قد أقامه الله تعالى من الدلالات ، وأوضحه من الآيات البينات ، فيتبدل الكفر بالإيمان بأن يعاند ولا يلتزم الحجة القائمة عليه (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) أخطأ قصد الطريق المؤدية إلى الجنان ، وأخذ في الطريق المؤدية إلى النيران».
قال عليهالسلام : «قال الله عز وجل لليهود : يا أيها اليهود (أَمْ تُرِيدُونَ) بل تريدون من بعد ما آتيناكم (أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ) وذلك أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قصده عشرة من اليهود يريدون أن يتعنتوه (٣) ، ويسألوه عن أشياء يريدون أن يعانتوه (٤) بها ، فبينا هم كذلك إذ جاء أعرابي كأنه (٥) يدفع في قفاه ، قد علق على عصا ـ على عاتقه ـ جرابا مشدود الرأس ، فيه شيء قد ملأه ، لا يدرون ما هو ، فقال : يا محمد ، أجبني عما أسألك.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا أخا العرب ، قد سبقك اليهود ليسألوا ، أفتأذن لهم حتى أبدأ بهم؟ فقال الأعرابي : لا ، فإني غريب مجتاز.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فأنت إذن أحق منهم لغربتك واجتيازك. فقال الأعرابي : ولفظة أخرى.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما هي؟ قال : إن هؤلاء أهل كتاب ، يدعونه بزعمهم (٦) حقا ، ولست آمن أن تقول شيئا يواطئونك عليه ويصدقونك ، ليفتن الناس عن دينهم ، وأنا لا أقنع بمثل هذا ، لا أقنع إلا بأمر بين.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أين علي بن أبي طالب؟ فدعي بعلي فجاء حتى قرب من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فقال الأعرابي : يا محمد ، وما تصنع بهذا في محاورتي إياك؟
قال : يا أعرابي ، سألت البيان ، وهذا البيان الشافي ، وصاحب العلم الكافي ، أنا مدينة الحكمة وهذا بابها ، فمن أراد الحكمة والعلم فليأت الباب.
فلما مثل بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأعلى صوته : يا عباد الله ، من أراد أن
__________________
(١) البقرة ٢ : ٥٥.
(٢) (بعد جواب الرسول ... صوابا) ليس في «س».
(٣) تعنّته : سأله عن شيء أراد به اللبس عليه والمشقّة. «لسان العرب ـ عنت ـ ٢ : ٦١».
(٤) في المصدر : يتعانتوه.
(٥) في المصدر : كأنّما.
(٦) في المصدر : ويزعمونه.