قال : «فقال : إن علي سبع مدائن ، على باب كل مدينة حرس ، وما رضيت بذلك حتى وضعت بطة من نحاس على باب كل مدينة ، لا يدخل غريب إلا صاحت عليه ، حتى يؤخذ ـ قال ـ فقال له : إن الأمر كما قلت لك».
قال : «فبث الخيل ، وقال : لا تلقون أحدا من الخلق إلا قتلتموه كائنا من كان. وكان دانيال جالسا عنده ، وقال : لا تفارقني هذه الثلاثة أيام ، فإن مضت هذه الثلاثة أيام وأنا سالم قتلتك.
فلما كان في اليوم الثالث ممسيا أخذه الغم ، فخرج فتلقاه غلام كان يخدم ابنا له ، من أهل فارس ، وهو لا يعلم أنه من أهل فارس ، فدفع إليه سيفه ، وقال : يا غلام ، لا تلقى أحدا من الخلق إلا وقتلته ، وإن لقيتني أنا فاقتلني. فأخذ الغلام سيفه فضرب به بخت نصر ضربة فقتله.
فخرج إرميا على حمار ومعه تين قد تزوده ، وشيء من عصير ، فنظر إلى سباع البر وسباع البحر وسباع الجو تأكل الجيف ، ففكر في نفسه ساعة ، ثم قال : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) وقد أكلتهم السباع ، فأماته الله مكانه ؛ وهو قول الله تبارك وتعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) أي أحياه.
فلما رحم الله بني إسرائيل ، وأهلك بخت نصر ، رد بني إسرائيل إلى الدنيا ، وكان عزير لما سلط الله بخت نصر على بني إسرائيل ، هرب ودخل في عين وغاب فيها ، وبقي إرميا (١٣) ميتا مائة سنة ، ثم أحياه الله تعالى ، فأول ما أحيا منه عيناه في مثل غرقئ (١٤) البيض ، فنظر ، فأوحى الله تعالى إليه : كم لبثت؟ قال لبثت يوما. ثم نظر إلى الشمس وقد ارتفعت فقال : أو بعض يوم.
فقال الله تعالى : (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) أي لم يتغير (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً) فجعل ينظر إلى العظام البالية المنفطرة تجتمع إليه وإلى اللحم الذي قد أكلته السباع يتألف إلى العظام من هاهنا وهاهنا ، ويلتزق بها حتى قام ، وقام حماره ، فقال : (أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)».
١٤٣٧ / ١ ـ العياشي : عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، في قول الله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها).
فقال : «إن الله بعث إلى بني إسرائيل نبيا يقال له إرميا ، فقال : قل لهم : ما بلد تنقيته من كرائم البلدان ، وغرست فيه من كرائم الغرس ، ونقيته من كل غريبة ، فأخلف فأنبت خرنوبا؟ ـ قال ـ فضحكوا واستهزءوا به ، فشكاهم إلى الله ـ قال ـ : فأوحى الله إليه : أن قل لهم : إن البلد بيت المقدس ، والغرس بنو إسرائيل تنقيته من كل غريبة ، ونحيت عنهم كل جبار ، فأخلفوا فعملوا بمعاصي الله ، فلا سلطن عليهم في بلدهم من يسفك دماءهم ،
__________________
(١٣) في «ط» نسخة بدل : دانيال.
(١٤) الغرقى : القشرة الرقيقة الملتزقة ببياض البيض. «المعجم الوسيط ـ غرقأ ـ ٢ : ٦٥٠».
٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٤٠ / ٤٦٦.