هل لك أن تمر بحمراء الأسد وتلقى أصحاب محمد وتعلمهم أن حلفاءنا وموالينا قد وافونا من الأحابيش (٨) حتى يرجعوا عنا ، ولك عندي عشرة قلائص (٩) أملأها تمرا وزبيبا؟ قال : نعم.
فوافى من غد ذلك اليوم حمراء الأسد ، فقال لأصحاب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم : أين تريدون؟ قالوا : قريش.
قال : ارجعوا ، فإن قريشا قد اجتمع (١٠) إليهم حلفاؤهم ، ومن كان تخلف عنهم ، وما أظن إلا وأوائل القوم قد طلعوا عليكم الساعة. فقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، ما نبالي أن يطلعوا علينا.
فنزل جبرئيل على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : ارجع ـ يا محمد ـ فإن الله قد أرعب قريشا ، ومروا لا يلوون على شيء. فرجع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى المدينة فأنزل الله : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) يعني نعيم بن مسعود ، فهذا لفظه عام ومعناه خاص (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (١١).
فلما دخلوا المدينة ، قال أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما هذا الذي أصابنا ، ولقد كنت تعدنا النصر؟
فأنزل الله : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) (١٢) وذلك أن يوم بدر قتل من قريش سبعون ، وأسر منهم سبعون ، وكان الحكم في الأسارى القتل ، فقامت الأنصار إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، هبهم لنا ، ولا تقتلهم حتى نفاديهم. فنزل به جبرئيل ، وقال : إن الله قد أباح لهم الفداء ، أن يأخذوا من هؤلاء ويطلقوهم ، على أن يستشهد منهم في عام قابل بقدر من يأخذون منه الفداء من هؤلاء. فأخبرهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بهذا الشرط ، فقالوا : قد رضينا به ، نأخذ العام الفداء من هؤلاء ونتقوى به ، ويقتل منا في عام قابل بعدد ما نأخذ منه الفداء وندخل الجنة ، فأخذوا منهم الفداء وأطلقوهم.
فلما كان في هذا اليوم ـ وهو يوم احد ـ قتل من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سبعون ، فقالوا : يا رسول الله ، ما هذا الذي قد أصابنا ، وقد كنت تعدنا النصر؟ فأنزل الله : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) بما اشترطتم يوم بدر.
١٩٢٦ / ٢ ـ العياشي : عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، في قول الله : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ).
__________________
(٨) الأحابيش : الجماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة.
(٩) القائص : الشوابّ من الإبل ، والنوق الطويلة القوائم. «تاج العروس ـ قلص ـ ٤ : ٤٢٦».
(١٠) في المصدر : أجنحت.
(١١) آل عمران ٣ : ١٧٢ ـ ١٧٤.
(١٢) آل عمران ٣ : ١٦٥.
٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٩٩ / ١٤٥.