وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) (٣٠) فهذه لفظها عام ومعناها خاص ، لأنه فضلهم على عالمي زمانهم بأشياء خصصهم بها ، وقوله تعالى : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) (٣١) يعني بلقيس ، فلفظه عام ومعناه خاص ، لأنها لم تؤت أشياء كثيرة ، منها الذكر واللحية ، وقوله تعالى : (رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) (٣٢) فلفظه عام ومعناه خاص ، لأنها تركت أشياء كثيرة لم تدمرها.
وأما ما لفظه خاص ومعناه عام ، فقوله : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) (٣٣) فلفظ الآية خاص في بني إسرائيل ، ومعناه عام في الناس كلهم.
وأما التقديم والتأخير ، فإن آية عدة النساء الناسخة تقدمت على المنسوخة في التأليف ، وقد قدمت آية عدة النساء أربعة أشهر وعشرا على آية عدة سنة ، وكان يجب أولا أن تقرأ المنسوخة التي نزلت قبل ، ثم الناسخة التي نزلت بعد.
وقوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) (٣٤)
فقال الصادق عليهالسلام : «إنما أنزل : أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه إماما ورحمة ومن قبله كتاب موسى».
وقوله : (إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا) (٣٥) وإنما هو : نحيا ونموت ، لأن الدهرية لم يقروا بالبعث بعد الموت ، وإنما قالوا : نحيا ونموت ، فقدموا حرفا على حرف. وقوله : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي) (٣٦) وإنما هو : اركعي واسجدي.
وقوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) (٣٧) وإنما هو : فلعلك باخع نفسك (٣٨) على آثارهم أسفا ، إن لم يؤمنوا بهذا الحديث ، ومثله كثير.
وأما المنقطع المعطوف ، فإن المنقطع المعطوف هي آيات نزلت في خبر ، ثم انقطعت قبل تمامها وجاءت آيات غيرها ، ثم عطفت بعد ذلك على الخبر الأول ، مثل قوله تعالى : (وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ
__________________
(٣٠) البقرة ٢ : ٤٧.
(٣١) النمل ٢٧ : ٢٣.
(٣٢) الأحقاف ٤٦ : ٢٤ و ٢٥.
(٣٣) المائدة ٥ : ٣٢.
(٣٤) هود ١١ : ١٧.
(٣٥) المؤمنون ٢٣ : ٣٧.
(٣٦) آل عمران ٣ : ٤٣.
(٣٧) الكهف ١٨ : ٦.
(٣٨) باخع نفسك : أي قاتل نفسك بالغم والوجد عليهم. «مجمع البحرين ـ بخع ـ ٤ : ٢٩٧».