لو كان إلهان لطلب كل واحد منهما العلو ، وإذا شاء واحد أن يخلق إنسانا ، فشاء الآخر أن يخالفه فيخلق بهيمة ، فيكون الخلق منهما على مشيئتهما واختلاف إرادتهما إنسانا وبهيمة في حالة واحدة.
فهذا من أعظم المحال غير موجود ، فإذا بطل هذا ، ولم يكن بينهما اختلاف ، بطل الاثنان ، وكان واحدا ، وهذا التدبير واتصاله وقوام بعضه ببعض واختلاف الأهواء والإرادات والمشيئات يدل على صانع واحد ، وهو قول الله عز وجل : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) (١٠٩) وقوله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا). (١١٠) وأما الرد على عبدة الأوثان ، فقوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ). (١١١) وقوله يحكي قول إبراهيم عليهالسلام : (أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١١٢) وقوله : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً) (١١٣). وقوله : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (١١٤) ومثله كثير مما هو رد على الزنادقة وعبدة الأوثان.
وأما الرد على الدهرية ، فإن الدهرية زعموا أن الدهر لم يزل ولا يزال أبدا ، وليس له مدبر ولا صانع ، وأنكروا البعث والنشور ، فحكى الله عز وجل قولهم فقال : (وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا ـ وإنما قالوا نحيا ونموت ـ وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) (١١٥) فرد الله عليهم ، فقال عز وجل : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً). (١١٦) ثم ضرب للبعث والنشور مثلا ، فقال : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً ـ أي يابسة ميتة ـ فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ـ أي حسن ـ ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ
__________________
(١٠٩) المؤمنون ٢٣ : ٩١.
(١١٠) الأنبياء ٢١ : ٢٢.
(١١١) الأعراف ٧ : ١٩٤ و ١٩٥.
(١١٢) الأنبياء ٢١ : ٦٦ و ٦٧.
(١١٣) الإسراء ١٧ : ٥٦.
(١١٤) النحل ١٦ : ١٧.
(١١٥) الجاثية ٤٥ : ٢٤.
(١١٦) الحج ٢٢ : ٥.