يتوقّف اختياريته على اختياريّة أجزائه ، وإنّما يتّصف بالاختياريّة والمقدوريّة المصحّحة لتعلّق التكليف به إيجابا أو تحريما تبعا لمقدوريّة ما أضيف إليه هذا العدم ، فإذا كان المكلّف قادرا على إيجاد مسمّى الأكل في يوم الجمعة ـ مثلا ـ ولو في جزء منه ، صحّ أن يتعلّق به التكليف فعلا أو تركا ، فإذا تعلّق التكليف بفعله ، يصير فعله واجبا موسّعا من أوّل الصبح إلى الغروب ، ونقيضه ـ وهو تركه ـ في مجموع هذه المدّة حراما معيّنا.
وأمّا تركه في بعض هذه المدّة ـ أيّ بعض فرض ـ فهو من حيث هو ليس بحرام ، سواء كان في أوّل اليوم أو آخره ، ولكن إذا انحصرت القدرة على أداء الواجب في زمان خاص من ذلك اليوم ، كأن غفل عنه إلّا في آخر الوقت ، أو لم يتمكّن من فعله ـ مثلا ـ إلّا في أوّل الزوال ، وتركه في ذلك الوقت عمدا مع علمه بعدم قدرته عليه إلّا في هذا الوقت ، فقد تحقّق موضوع الحرام ، وهو الترك في مجموع هذا اليوم متّصفا بالاختيار ، وإلّا لقبح العقاب عليه ، فكما أنّ الترك في آخر أزمنة القدرة على الفعل يجعل الترك في مجموع اليوم اختياريّا موجبا لاستحقاق العقاب عليه على تقدير حرمته ، فكذلك يجعله اختياريّا موجبا لاستحقاق الثواب عليه على تقدير وجوبه وحصوله بقصد إطاعة الأمر بتركه في هذا اليوم ، فلاحظ وتدبّر ؛ فإنّه لا يخلو عن دقّة.
وكفاك شاهدا للفرق بين الصوم وغيره من العبادات : أنّه لا يتوهّم أحد صحّة سائر العبادات الوجودية عند صدور بعضها بلا شعور وقصد ، بخلاف الصوم.
فلو قيل للعامي في يوم الغدير ـ مثلا ـ بعد ارتفاع النهار : إنّ لصوم هذا اليوم كذا وكذا من الأجر ، ولم يكن قد تناول مفطرا إلى ذلك الوقت ،