حضور وقته بأيّام ، مع استدامة حكمه على الوجه الذي عرفت اعتباره في تأثير النيّة السابقة في استناد الفعل إليها ، واتّصافه بوقوعه عن قصد ، بخلاف صوم رمضان ؛ فإنّ كلّ مكلّف لدى الالتفات إلى قرب الشهر ما لم يضمر في نفسه المعصية ينوي صومه ، ويشتغل بتهيئة مقدّماته ، وتبقى هذه النيّة مغروسة في نفسه حقيقة أو حكما إلى حين حضوره ، وقد عرفت أنّه لا يشترط في صحة العبادة أزيد من ذلك ، وأنّه ليس للإرادة التفصيلية التي يتوقّف عليها صحة العبادة واتّصافها بحصولها عن نيّة زمان موقّت شرعي ، فليس جواز تقديم النيّة في الصوم بهذا المعنى الذي هو محلّ الكلام مخالفا للأصل ، فالتفكيك حينئذ بين الجزء الأول من الليل والجزء الآخر من اليوم السابق المتّصل بهذا الجزء فاسد.
نعم ، يتّجه هذا التفصيل لدى القائلين باشتراط صحة العبادات بمقارنة هذه الإرادة التفصيلية التي هي شرط عقلي لوقوع الفعل بداعي التقرّب لأوّل زمان التلبّس بالفعل ، وأنّ جواز التقديم في الصوم على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على مورد الثبوت.
ولكنّك عرفت فساد المبنى ، كما أنّك عرفت وجه ما فرّعه الشيخ على مختاره من الصحة على تقدير السهو والغفلة عن تجديدها في الليل ، لا مطلقا ، حيث قال في ما حكي عن مبسوطة ما لفظه : نيّة القربة يجوز أن تكون متقدّمة ، فإذا كان من نيته صوم الشهر إذا حضر ثمّ دخل عليه الشهر ولم يجدّدها لسهو لحقه أو إغماء ، كان صومه صحيحا ، فإن كان ذاكرا ، فلا بدّ من تجديدها (١). انتهى ، حيث ظهر لك أنّ شرط تأثير النيّة السابقة في صحّة العمل اللاحق ، واتّصافه بوقوعه منويّا
__________________
(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٢٠٠ ، وراجع : المبسوط ١ : ٢٧٦.