استفادته من مثل هذه الأخبار بعد التسليم إنّما هو معذوريته في ارتكاب ما صدر منه جهلا من مخالفة الأحكام الواقعية المتوجّهة إليه حتى بالنسبة إلى آثاره الوضعية القابلة لأن يعذر فيها ، أي الآثار الشرعية المجعولة لها القابلة لأن يتخلّف عنها ، وليس فساد الصوم بتناول المفطرات جهلا منها ، بل هو من لوازمها العقلية غير القابلة للتخلّف ؛ لاستحالة حصول امتثال الأمر بالكفّ عن المفطرات بمخالفته.
وكون الجاهل معذورا في مخالفته لا يجعل المخالفة موافقة حتى يوصف فعله بالصحة ، فكما أنّه لو جهل بأصل صوم شهر رمضان فلم يصمه ، لا يفهم من هذه الأخبار أنّه بمنزلة من صامه في كونه آتيا بما يوافق أمره ، فكذلك لو جهل ببعض أجزائه وشرائطه المعتبرة فيها ، ولذا لم يحكم الإمام عليهالسلام في الصحيحة الأخيرة (١) بصحة العقد الفاقد لشرائط الصحة ، الصادر منه جهلا ، بل بفساده وكونه معذورا في أن يتزوّجها ثانيا بعد انقضاء عدتها ، فمثل هذه الرواية على خلاف المطلوب أدلّ.
والحاصل : أنّه لا يستفاد من مثل هذه الأخبار أزيد من أنّ الجاهل لا يؤاخذ على ما صدر منه جهلا ، ولا يترتّب على فعله أثر العمد ، وهذا لا يجدي في إثبات المدّعى بعد أن أشرنا إلى أنّ فساد الصوم ليس من آثار تعمّد الإفطار ، بل هو على طبق الأصل ، كفساد تزويج المرأة في عدتها.
وأمّا الموثّقة : فموردها الجاهل المعتقد للخلاف ، وهو في مثل هذه المسألة التي هي من الضروريّات لا يكون غالبا إلّا عن القصور ، وعدم
__________________
(١) أي : صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج.