الكون في خارج ملك الغير ، وأمّا حرمة الخروج ، فلأنه تصرّف ... وقد تقرّر أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً وخطاباً (١).
وفيه : أن كلتا المقدّمتين غير صحيح. أمّا وجوب التخلّص من الحرام ، فأوّل الكلام ، لأنّ الأدلّة أفادت حرمة الغصب ، أمّا وجوب تخلية المكان المغصوب فيحتاج إلى دليل ، نظير شرب الخمر ، فإنه حرام لا أن تركه واجب. وأمّا صحّة تكليف هذا المكلّف فكذلك ، لأن الحاكم في المسألة هو العقل ، وهو يرى امتناع أو قبح توجّه الخطاب إلى العاجز عن الامتثال ، فمن ألقى نفسه من شاهق كيف يخاطب في حال سقوطه بالكفّ عن السّقوط وحفظ النفس وهو غير قادر؟
وعلى الجملة ، فإنّ المقتضي للحكم بالوجوب هو المصلحة الملزمة ، وللحكم بالحرمة هو المفسدة كذلك ، فكيف يجتمعان في الشيء الواحد في الآن الواحد؟
القول الثالث : إنّ الخروج واجب بالوجوب الفعلي ، وهو حرام لكن بالنهي السابق ، وعليه صاحب (الفصول) (٢) ... والوجه في ذلك هو : إنه كان قد تعلَّق النهي ـ قبل الدخول ـ بالخروج ، لأنه أحد التصرّفات المنهي عنها في مال الغير بدون إذنه ، إلاّ أن هذا النهي قد سقط بعد الدخول ، وهو الآن مأمور بالخروج وتخلية المكان ، وهو وجوبٌ فعليّ نفسيّ أو غيري مقدمةً للكون في خارج ملك الغير.
وفيه : أمّا الوجوب النفسي ، فممنوع لعدم الدليل على وجوب تخلية
__________________
(١) هذا أحد الأنظار الثلاثة في المسألة ، وهذا هو مبنى رأي أبي هاشم الجبائي المذكور ، فيصحّ خطابه وعقابه ، وقال جماعة : لا يصحّ خطابه وعقابه ، وقال آخرون : لا يصح خطابه ويصح عقابه وهو الحق.
(٢) الفصول الغرويّة : ١٣٧.