والفحص فيها راجع إلى أصل الاقتضاء للحجيّة ، وبعد الفراغ عن ذلك تصل النوبة إلى البحث عن المزاحم.
وأمّا في الاصول العمليّة الشرعيّة ، فإنّ مبنى ما ذكره صاحب (الكفاية) هو إطلاق دليل الأصل الذي قال بتقيّده بالإجماع ، إلاّ أنه قد تقدّم أنّ المستند لحجيّة العامّ هو بناء العقلاء ، وبناؤهم على حجّيته محدودٌ ـ من أوّل الأمر ـ بما بعد الفحص عن المخصّص ، فيرجع الأمر إلى أصل الحجيّة ، ولا يبقى فرق بين مورد العمومات والأصول.
نعم ، لو كان المستند لحجيّة العام هو العلم الإجمالي ، فالحجيّة تامة والعلم الإجمالي مزاحم لها ، إلاّ أنه ذهب إلى ما ذكرناه من أن المستند هو بناء العقلاء ....
والحاصل : عدم تماميّة تفريقه بين العمومات والأصول.
(قال) : والتحقيق هو منع الإطلاق في أدلّة الاصول الشرعيّة ، من جهة مسلك الشارع بالنظر إلى الآيات مثل (هَلْ يَسْتَوِي الَّذينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذينَ لا يَعْلَمُونَ) (١) والأحاديث مثل «طلب العلم فريضة» (٢) فمسلكه طلب العلم والخروج عن الجهل ، فلو كان دليل الأصل ـ مثل «رفع ما لا يعلمون» ـ مطلقاً ، لزم أن يكون الشارع مشجّعاً على الجهل. فبهذه القرينة نرفع اليد عن الإطلاق في أدلّة الاصول الشرعيّة.
أمّا في العمومات ، فإنّ الأصل الأوّلي هو التطابق بين مقامي الثبوت والإثبات وكون الإرادة الجدّية على طبق الإرادة الاستعمالية ، ومقتضى ذلك هو اقتضاء الحجيّة في العمومات ، لكنّ هذا الاقتضاء ليس على إطلاقه ، بل السيرة
__________________
(١) سورة الزمر : الآية ٩.
(٢) وسائل الشيعة ٢٧ / ٢٥ ، الباب ٤ من أبواب صفات القاضي ، رقم : ١٥.