قال يجب إكرام كلّ عالم ، ثم قال : لا يجب إكرام العالم الفاسق. وأخرى : يكون ضدّاً له ، كأن يقول : يجب إكرام كلّ عالم ، ثم يقول : يحرم إكرام العالم الفاسق.
فإنْ كان نقيضاً له ، حكم بالتخصيص بمقتضى استصحاب عدم وجوب إكرام العلماء الفسّاق أزلاً ، لعدم وجوب إكرامهم قبل ورود العام ، فلمّا ورد وجب إكرامهم إلى حين ورود الخاص ، فإذا ورد الخاص بعده ودار الأمر بين النسخ والتخصيص ، وشككنا في تبدّل حكم إكرام العلماء الفسّاق من عدم الوجوب إلى الوجوب ، نستصحب عدم الوجوب الثابت أزلاً ، وتكون النتيجة التخصيص.
وإنْ كان ضدّاً له ، فإنْ كان التضادّ بالوجوب والحرمة ، بأنْ يفيد العام وجوب إكرام العلماء ، والخاص حرمة إكرام الفسّاق منهم ، فلا مجرى لاستصحاب إكرام الفسّاق ، لعدم الشك في عدم جواز إكرامهم ، سواء كان الخاص المتأخّر ناسخاً أو مخصّصاً ، كما لا يخفى. نعم ، إن كان مخصّصاً فالحرمة من أوّل الأمر وإنْ كان ناسخاً فمن حين وروده.
وإنْ كان التضادّ لا بالوجوب والحرمة ، كأنْ يفيد العام الوجوب أو الحرمة ، ويفيد الخاص الكراهة أو الاستحباب ، فذهب المحقق العراقي إلى إمكان جريان الاستصحاب (قال) : لو كان مفاد العام هو وجوب الإكرام أو حرمته ، وكان مفاد الخاص المتأخر استحباب الإكرام أو كراهته ، أمكن دعوى جريان حكم التخصيص بمقتضى استصحاب عدم المنع السابق ، حيث أنه بالأصل المزبور مع ضميمة رجحانه الفعلي أو المرجوحية الفعلية ، أمكن إثبات الكراهة أو الاستحباب. فتأمّل (١).
وعلى الجملة ، فإنّ العام إن كان ظاهراً في الوجوب ، فبعد ورود الخاص
__________________
(١) نهاية الافكار (١ ـ ٢) ٥٥٣.