أمّا مبنى الميرزا فمفاده : أنّ المقيَّد قرينةٌ بالنسبة إلى المطلق ، ومعها تسقط أصالة البيان في ناحيته ، وملخّص الاستدلال هو :
إنّ مقتضى القاعدة تقدّم الأصل في السبب على الأصل في المسبب ، وهذا التقدّم من باب الحكومة ، وقد قرّرت هذه القاعدة في تنبيهات الاستصحاب ، ومثالها المعروف هو غسل الثوب النجس بالماء المشكوك الطهارة ... غير أنّ الأصل في الماء والثوب هو الاستصحاب وهو أصل عملي ، والأصل فيما نحن فيه لفظي ، ولا فرق في القاعدة من هذه الجهة.
إنَّ كلّ دليل حاكم نسبته إلى الدليل المحكوم نسبة السبب إلى المسبّب ، فأصالة الظهور في طرف المطلق وكذا في طرف المقيَّد تامّة ، لكنَّ المقيَّد قرينةٌ والمطلق ذو القرينة ، وفي ذات القرينة حيثيّة البيانية كما أنْ في ذات ذي القرينة حيثية المبيَّنة ، فتكون أصالة الظهور في ذي القرينة مسبَّبةً لأصالة الظّهور في القرينة. وإنْ شئت فقل : إنّ أصالة الظهور في طرف ذي القرينة معلَّقة ، لكنها في طرف القرينة غير معلَّقة ، فلا محالة يتقدَّم القرينة على ذيها ، بمقتضى القاعدة المذكورة.
ومن هذا الباب تقدُّم ظهور «يرمي» على ظهور «الأسد» ورفع اليد عن مقتضى أصالة الحقيقة فيه ، وحمله على المعنى المجازي وهو «الرجل الشجاع» ، لأنَّ حمل لفظ الأسد على معناه الحقيقي «الحيوان المفترس» موقوفٌ على جريان أصالة الحقيقة فيه ، وجريانها معلَّق على عدم وجود القرينة المانعة ، إذ الإهمال في الواقعيات محال ، وجريانها حتى مع وجود القرينة غير صحيح ، وإلاّ يلزم أنْ لا يكون عندنا استعمال مجازي أصلاً ، والمفروض وجود «يرمي» الظاهر في رمي النبل ، والذي ظهوره فيه غير معلَّق على شيء ، فكانت أصالة الحقيقة في «الأسد» معلَّقة على عدم وجود القرينة المانعة ، و «يرمي» تمنع عن انعقادها ،