إنّ التنافي بين كلّ دليلين يتوقف على وجود المقتضي لهما على نحو التنجز وفي عرضٍ واحد ، حتى يقع التمانع بينهما في المبدا أو المنتهى أو المدلول لهما. أمّا لو كان أحدهما معلَّقاً غير منجّز والآخر تامُّ الاقتضاء ، فلا تمانع بل يتقدَّم ما هو تامّ الاقتضاء ... وفيما نحن فيه : ظهور صيغة الأمر في الوجوب ـ من باب الدلالة الوضعية كما عليه صاحب (الكفاية) ، أو بحكم العقل كما عليه الميرزا ـ تامٌّ ، فيصلح لأنْ يكون مانعاً عن انعقاد الظهور في طرف المطلق ، لكنَّ المبنى المحقَّق ـ تبعاً لسلطان المحققين ـ خروج الإطلاق عن المعنى الموضوع له لفظ الرّقبة ، فلا دلالة له عليه إلاّ بمقدّمات الحكمة ، وقد كان منها عدم التقييد ، فكان ظهور «الرقبة» في الإطلاق معلَّقاً على عدم المانع ، فلا تمانع بينه وبين الدليل المقيَّد ... بل يتقدَّم لتتنجّز ظهوره وتماميّته.
وعلى الجملة ، فإنّ المقام من صغريات دوران الأمر بين ما له الاقتضاء وما لا اقتضاء له ، ومن الواضح تقدّم الأول وتعيّنه.
ولا يخفى أنّ هذا الطريق يختلف عن طريق (الكفاية) من تقدّم إطلاق الوجوب التعييني ، لأنّ أصالة الإطلاق بالنسبة إلى الوجوب التعييني إنّما تجري فيما لو احتمل التخيير الشرعي ، فيتمسّك بها لدفع هذا الاحتمال ، وليس ما نحن فيه من هذا القبيل ، للقطع بعدم احتمال التخيير الشرعي بين وجوب الطبيعة المطلقة ووجوب حصّة خاصّةٍ منها.
وتلخص : إنّ الوجه في تقدّم المقيَّد على المطلق ليس الأظهريّة ولا القرينيّة ولا غيرهما ، بل هو التنجيزيّة في طرف المقيَّد ، أي ظهور صيغة الأمر في الوجوب بلا تعليقٍ على شيءٍ ، وقد ذكرنا أنّ ذلك ثابت إمّا بالوضع من جهة التبادر على رأي وامّا بحكم العقل على الرأي الآخر. بل إنّه مستفادٌ من ظواهر