الذي أَهنتَ ، أَي : أَهنتَهُ ، وَمَررتُ بالتي لقيتُ ، أَي : لقيتُها ، فغيرُ بعيد أَن يكونَ قولُه : (أفحَكْمُ الجاهليةِ يَبْغُونَ) يرادُ بهِ يبغونَهُ ، ثُمَّ يُحذَف الضميرُ ، وهذا وإن كانت فيهِ صنعةٌ فإنَّهُ ليسَ بخطأ (١).
وفيهِ مِنْ بعدِ هذا شيئانِ نَذكرهُمَا : وهو أَنَّ قولَهُ : (كُلُّهُ لَم أَصنَعِ) وإنْ كانَ قَدْ حُذِفَ منهُ الضميرُ فإنَّه قَدْ خلفَهُ وأُعيضَ منه ما يقوم مقامه في اللفظ ، لأ نّهُ يُعاقِبُهُ ولا يجتمع معه ، وهو حرف الإطلاقِ ، أَعني الياءَ في (أَصنعي) فلمّا حضر ما يعاقب الهاء فلا يجتمع معها جازت لذلك ، كأ نَّها حاضرة غير محذوفة. فهذا وجهٌ.
والثاني : أَنَّ هناك همزة استفهام ، فهو أَشدّ لتسليط الفعل ، أَلاَ ترى انَّك تقول : زيدٌ ضربتُهُ فيُختارُ الرفعُ ، فإذا جاءَ همزةُ الاستفهام اخترتَ النصبَ البتّة ، فقلتَ : أزيداً ضربتَهُ ، فنصبتَهُ بفعل مضمر يكون هذا الظاهر تفسيراً له.
فَإذا قلتَ : أفحكمَ الجاهليةِ تَبغونَ ولم تُعِدْ ضميراً ولا عوضتَ منه ما يعاقبه ، وحرفُ الاستفهام الذي يُختار معه النصب والضمير ملفوظ به موجود معك فتناد الحال تختلف على فسادِ الرفعِ وبإزاءِ هذا أَنَّهُ لو نصب فقال : كُلَّهُ لَمْ أصنعِ لَمَا كَسَر وزناً ، فهذا يؤنسك بالرفعِ في القراءةِ.
__________________
(١) اختلف في جواز حذف الضمير العائد على المبتدأِ : فقد جوَّز الفراء حذفَهُ إذا كان منصوباً مفعولاً به وقيل إنَّه مذهبُ الكسائي. وقد ادَّعَى ابنُ مالك الإجماعَ على جواز ذلك وقد منعه البصريون وقال سيبويه : هو ضعيف. والصحيح كما ذهب إليه ابنُ جنِّي جوازُهُ بقلَّة. الكتاب : ١ / ٤٤ والتسهيل : ٤٨ وخزانة الأدب : ١ / ٣٥٩.