وَإن شِئتَ لَمْ تَجعلْ قولَهُ (يَبغونَ) خبراً ، بل تجعله صفةَ خبر موصوف محذوف ، فكأ نّهُ قالَ : أفحكمُ الجاهليةِ حكم يَبغُونَهُ ، ثُمَّ حذف الموصوف الذي هو حُكم وأَقام الجملة التي هي صفته مقامه ، أَعني يبغون ، كما قالَ اللهُ سبحانَهُ : (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) (١).
أَي قوم يحرّفون ، فحذف الموصوف وأُقيمتِ الصفةُ مقامَهُ ، وعليه قوله :
وما الدهر إلاّ تارتان فمنهما |
|
أموتُ وأُخرى أبتغي العيشَ أكدَحُ (٢) |
أَي فمنهما تارةٌ أموتُ فيها ، فحذفَ تارة وأَقامَ الجملةَ التي هي صفتُها نائبة عنها فصار أَموت فيها ، ثمّ حذف حرف الجر فصار التقدير أَموتها ، ثمّ حذفَ الضميرَ فصارَ أموت. ومثله في الحذف من هذا الضرب بَل هو أَطول منهُ.
تروَّحي يا خَيرة الفسيلِ |
|
تروَّحي أَجدرَ أَن تقيلي (٣) |
أَصلُهُ : ائتي مكاناً أَجدرَ بِأَنْ تقيلي فيه ، فحذف الفعل الذي هو (ائتي) لدلالة تروّحي عليه ، فصار مكاناً أجدرَ بِأَنْ تقيلي فيه ، ثمّ حذف الموصوف الذي هو مكاناً فصار تقديره أَجدرَ بأنْ تقيلي فيه ، ثمّ حذف الباءَ أَيضاً تخفيفاً فصار أَجدرَ أَنْ تقيلي فيه ، ثمّ حذف حرف الجرِّ فصار أَجدر أَن
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٤٦.
(٢) البيت لتميم بن مقبل. انظر : ديوانه : ٢٤ والكتاب : ١ / ٣٧٦ والمقتضب : ٢ / ١٣٨ وهمع الهوامع : ٢ / ١٢٠ والخزانة : ٥ / ٥٥.
(٣) الرجز لأحيحة بن الجلاخ. انظر : أمالي ابن الشجري : ١ / ٣٤٣ وشرح التصريح : ٢ / ١٠٣ والأشموني : ٣ / ٤٦.