تقيليه ، ثمّ حذف العائد المنصوب فصار أَجدر أنْ تقيلي.
ففيه إذاً خمسة أعمال ، وهي حذفُ الفعلِ الناصب ، ثُمَّ حذف الموصوف ، ثُمَّ حذف الباءِ ، ثمّ حذف (في) ، ثمّ حذف الهاء ، فتلك خمسة أَعمال. وهناك وجه سادس ، وهو أَنّ أَصْلَهُ ائتي مكاناً أَجدر بِأَن تقيلي فيهِ مِنْ غيرهِ ، كما تقول : مررتُ برجل أَحسنَ من فلان ، وأَنتَ أَكرمُ عليَّ من غَيرك. فَإذا جازَ في الكلام توالي هذه الحذوف ولم يكن معيباً ولا مشيناً ولا مستكرهاً كان حذفُ الهاءِ من قوله تعالى : (أَفَحُكْمُ الجَاهِلِيَةِ يَبغُونَ) ، والمراد به : حُكم يبغونَهُ ، ثمّ حَذفُ الموصوفِ وعائدهِ أسوغَ (١) وأسهلَ وأيسرَ (٢) وَقَرأَ زهيرُ الفُرقُبي : (يَومُ يَأتِي بَعضُ آياتِ رَبِّك) (٣) بالرَّفعِ.
قالَ أَبو الفتح : ينبغي أَن يكونَ ارتفاع اليوم بالابتداءِ ، والجملة التي هي قوله تعالى : (لاَ يَنْفَعُ نَفساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيراً) خبرٌ عَنْهُ ، والعائد من الجملة محذوف لطولِ الكلامِ والعلمِ بِه ، وإذا كانوا قَد قَالوا : السَّمْنُ منوانُ بدرهَم (٤) فَحَذَفُوا وَهُم يريدونَ (مِنه) مَعَ قصر الكلام كان حذف العائد هنا لطول الكلام أَسوغ ، وتقديره : لا ينفع فيه نفساً إيمانُها.
__________________
(١) خبر كان من قوله : كان حذفُ الهاء ....
(٢) المحتسب : ١ / ٢١١ ـ ٢١٢.
(٣) من قوله تعالى من سورة الأَنعام : ٦ / ١٥٨ : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً).
(٤) تنظر : ص : ١١٤.