قال أَبو الفتح : الفاعل هنا مضمر ، أَي : وأنْ يَحْشُرَ اللهُ (١) الناسَ فهذا كقولِه سبحانه : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) (٢) ، وجميعُ هذا يُرَادُ بِهِ العُمُومُ ، أَي : يحشرهم قاطبة وطُرّاً ولا يكونُ حالاً (٣) كقولهِ سبحانَهُ : (يَوْمَئِذ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ) (٤) ويَدُلُّ عليهِ (٥) أَيضاً قولُهُ : (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٦)) (٧).
وَقَرَأَ الزهري : (وَلَقَدْ صَدَقَ) ـ مُخَفَّفَةً ـ (عَلَيْهم إبليسَ) ـ نصب ـ (ظَنُّهُ) ـ رفع ـ (إِلاَّ لِيُعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ) (٨).
وقالَ أَبو حاتِم : روى عُبَيد بن عُقَيل ، عن أَبي الورقاءِ ، قالَ : سمِعتُ أَبا (٩) الهَجْهَاج وكانَ فَصِيحاً يقرأُ : (إبليسَ) ـ بالنصبِ ـ (ظَنُّهُ) ، رفعٌ.
قال أَبو الفتح : معنى هذه القراءة أنَّ إبليسَ كانَ سَوَّلَ لَهُ ظَنُّهُ شيئاً فيهم ، فَصَدَقَهُ ظَنُّه فيما كان عَقَدَهُ عليهِ مَعَهُم من ذلك الشيءِ.
__________________
(١) وقدره في البحر المحيط (يحشر الحاشرُ الناسَ ضحىً) فحذفَ الفاعلَ للعلمِ بِهِ.
وقال : حَذْفُ الفاعِلِ في مثلِ هذا لا يجوزُ عندَ البصريين. البحر المحيط : ٦ / ٢٥٤.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ٢٢ وسورة يونس : ١٠ / ٢٨.
(٣) يريد (جميعاً) في الآية.
(٤) سورة الزلزلة : ٩٩ / ٦.
(٥) يَدُلُّ على أنَّ الفاعلَ مضمرٌ يعودُ على لفظِ الجلالةِ.
(٦) سورة الكهف : ١٨ / ٤٧.
(٧) المحتسب : ٢ / ٥٤ ـ ٥٥.
(٨) من قوله تعالى من سورة سبأ : ٣٤ / ٢٠ ـ ٢١ : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَـنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَان إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكّ).
(٩) الذي في المحتسب : ٢ / ١٩١ : (سمعت أَبي الهجهاج) ولا أعرف له وجهاً.